أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

الشئ الفظيع .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أنا وزوجتي قاربنا سن المعاش وننتمي للأسرة المتوسطة التي تحرص على العادات والتقاليد والفضائل الحميدة وتعرف ربها حق معرفته .. ولقد انعم الله علىٍّ بنعمه التى لا تعد ولا تحصى فعشنا حياتنا الزوجية فى توفيق وسعادة وأنجبنا ثلاثة أبناء بنتين وولد .. وشغلنا أعلى المناصب المحترمة فى المجتمع، ورعينا أبناءنا حتى تخرج الابن الأكبر وهاجر لاستكمال الدراسات العليا والعمل فى إحدى الدول منذ ثلاث سنوات ، وتخرجت الابنة المتوسطة وعملت بوظيفة محترمة .. وواصلت الصغرى دراستها الجامعية بنجاح .

وقد تقدم لابنتي الوسطى شاب حديث التخرج من أسرة طيبة ومتكافئة معنا فى الوضع الاجتماعي ، لكن إمكانياته المادية ضعيفة ولم تستطع أسرته مساعدته فى الزواج لظروف اضطرارية ، ولأنني مؤمن بأن السعادة الزوجية لا تصنعها الإمكانيات المادية بقدر ما يصنعها الحب والتفاهم والتكافؤ بين الطرفين ، فقد رحبت بهذا الشاب وسعدت به خاصة بعد أن لمست رغبة ابنتي فيه ، فساعدته ماديا على إتمام الزواج وقدمت له كل التسهيلات الممكنة ، وتم الزواج واعتبرنا هذا الشاب بمثابة أهله ولم يبخل فى التعبير عن افتخاره بنا وبزوجته الجميلة المثقفة .

واستمرت مساعدتي لابنتي بعد زواجها بالرغم من دخلها المعقول ، فقد أحببت زوجها واعتبرته ابنا لي كما أنى اقدر وافهم ظروف الحياة الصعبة بالنسبة لشابين فى مقتبل حياتهما ، ومضى عام على زواج ابنتي فى سلام وسعادة ..

ثم بدأت فجأة ألاحظ ذبولها وحزنها وألاحظ أيضا أن زوجها الذي كان يتعامل معها برقة واحترام قد بدأ يسئ معاملتها أمام الجميع بلا سبب واضح وهى تتحمل ذلك وتخفى عنا مشاكلها وترفض طلب مساعدتنا لها فى حلها بحجة أنها قادرة على ذلك وحدها وتفهم شخصيته أكثر من أي إنسان آخر ، ولم أشأ التدخل بين ابنتي وزوجها على غير رغبتها وفضلت هى ان تلجأ إلى والدىّ زوجها وهما شخصان فاضلان ويحبانها كثيرا ، فحاولا التدخل بينها وبين ابنهما لكنهما لم يتوصلا إلى نتيجة مرضية معه .

ثم نضب معين قدرتها على التحمل ذات يوم فرجعت إلى بيتي حاملة طفلها الوليد ومصرة على طلب الطلاق .. وبدأت تحكى لنا لأول مرة عما تحملته من تغيره المفاجئ بعد عام من الزواج ومن إهماله لها ولطفلها ومحاولاته المستمر لاستفزازها كأنما يرغب فى تنفيرها منه وإجبارها على ترك عش الزوجية ، وكيف حاولت الإصلاح وصبرت على سوء معاملته لها ، وكيف ذكرته بالحب القديم ولم يجد ذلك فتيلا فى تحسين معاملته لها .

وتعاطفت أنا وزوجتي معها ولم نحاول لومها على طلب الطلاق تاركين للأيام أن تهدئ نفسها بعد حين ، وبقيت ابنتي فى بيتي ثلاثة أسابيع بغير أن يحاول زوجها الاتصال بى ليسأل عنها أو عن طفله ، أو حتى ليشكوها لى وأنا من كان يعتبره من قبل بمثابة والده .. وتعجبت لذلك وتصورت انه فى خجل شديد من نفسه ويتحرج من أن يواجهني بما فعل مع ابنتي بلا سبب واضح .

وظل الموقف مجمدا على هذا النحو إلى أن بلغه عن طريق أهله أن ابنتي تصر على الطلاق منه ، وأننا لا نعارضها فيه بعد أن أعيتها الحيل فى فهم أسباب تغيره وإصلاحه ، فاتصل بى احد أقاربه وأبدى لى رغبته فى إنهاء الخلاف بين ابنتي وزوجها مشترطا فى ذلك أن يقتصر الحساب والعتاب والمناقشة على الزوجين وحدهما .. وألا نشارك نحن فى جلسة الصلح ، وان ندعهما لنفسيهما ليصلحا ما بينهما بغير تدخل من جانبنا .

ورغم استنكاري للطلب إلا أنني أردت ألا أقف فى طريق الصلح بين ابنتي وزوجها ، وفسرت ذلك بحرج الشاب من مواجهتي ووافقت على ان يأتي إلى بيتي مع قريبه وان يجلسا فى الصالون مع ابنتي بعض الوقت ، ثم يرجعا إلى بيتهما دون حساب ولا مراجعة من جانبنا فى شئ ، وجاء بالفعل واصطحب زوجته إلى بيته ولم يتجاوز الحديث بيننا عبارات التحية والمجاملة المعتادة .

وتنفست زوجتي الصعداء بعودة المياه إلى مجاريها بين ابنتي وزوجها ، لكن فى نفس الليلة فوجئت زوجتي بابنتي الصغرى تنفجر فى البكاء وتبكى بكاء مريرا ! .. وقبل أن استكمل لك ما حدث منها اقول لك إن ابنتي هذه تختلف عن شقيقيها فى أنها ومنذ طفولتها متمردة وترفض النصح والإرشاد وتتجاوز أحيانا الحدود فى ردودها علىّ وعلى امها ، وقد كنا نرجع ذلك إلى صغر سنها أو إلى أنها مدللة بعض الشئ لأنها الابنة الصغرى ونخفف من وقع هذا التمرد بالقول بأنها على شاكلة جيلها المتمرد ، ونطمئن أنفسنا رغما عن ذلك بأنها أفضل من غيرها لأنها موفقة فى دراستها وتؤدى فروض الصلاة والصيام ، ونأمل فى أن تحد خبرة الأيام والسنين من تمردها وجموحها .

و ارجع إلى القصة الأصلية فأقول لك إن ابنتي هذه بكت ففسرنا بكاءها بحزنها على حال أختها والطريقة التي رجعت بها إلى بيتها ، وقد كنا نحن أيضا فى غاية الأسى لذلك ، لكن بكاءها طال وتواصل بطريقة غير طبيعية ، ثم ارتمت فجأة على صدر أمها وطلبت منها أن تعفو عنها وتغفر لها ذلك الشئ الفظيع الذى ارتكبته وندمت عليه الآن اشد الندم .. وانخلع قلب أمها حين سمعت منها ذلك واستفسرتها عن هذا الشئ الفظيع .. فإذا بها تعترف لها بأنها على علاقة حب مع زوج أختها منذ شهور .. وأنهما كانا متفقين على الزواج بعد طلاقه من أختها ، وانه قد وعدها بأنه سوف يجد لها بعد تخرجها عملا فى مدينة أخرى وينتقل معها إليها ويتزوجها هناك بعيدا عنا بمجرد أن تبلغ سن الرشد !

رائج :   الشقة العلوية ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

وتوالت اعترافاتها لأمها كأنما لم تعد تحتمل أن تحبسها أكثر من ذلك ، اعترفت لأمها أنها كانت تشجعه على الانفصال عن أختها وتطمئنه إلى أنها ستكون أما حنونا لطفله ، وأنها كانت تلتقي به فى الأماكن العامة فى نفس الوقت الذى كانت زوجته تشتكى فيه من انصرافه عنها وإهماله وسوء معاملته لها !
واستمعت زوجتي إلى اعترافاتها ذاهلة وباكية وعاجزة عن النطق ، ثم سألتها حين وجدت صوتها عما دعاها للاعتراف بكل ذلك الآن وليس من قبل ، فأجابت بأن ضميرها قد استيقظ وشعرت بفظاعة الجرم الذى ارتكبته فى حق أختها ونفسها وأبويها وأسرتها ، خاصة وقد تأكدت من انه لن يستطيع الاستغناء عن زوجته وطفله بدليل سعيه للصلح وإرجاع زوجته .

واعترفت أيضا بأنها ضعيفة أمامه لكنها أرادت أن تقطع على نفسها خط الرجعة معه بهذا الاعتراف لكي تشرك أمها معها فى مقاومتها لهذا الضعف ولكي تكون رقيبة عليها وتردها عن ضعفها إذا ضعفت أمام محاولاته مرة ثانية وأنها تحتمي الآن بهذا الاعتراف بأسرتها ضد محاولاته لاستمالتها من جديد وسيكون هذا هو آخر عهدها بالتصرفات الشائنة إلى آخر العمر .ولك أن تتصور يا سيدي صدمتي فى ابنتي التى لم اقصر فى تربيتها حين أبلغتني أمها بما عرفته منها فى تلك الليلة المشئومة .. لقد كدت اجن وافقد صوابي وارتكب جريمة اندم عليها .. لكنى تماسكت حتى لا أزيد الطين بله وكتمت غيظي وقهري وألمي ورضيت ببلائي واختبار السماء لصبري وإيماني واستعنت بالصبر والصلاة وقراءة القرآن طوال الليل على إعادة الهدوء لنفسي حتى أتجنب الفضيحة الشائنة لأسرتي وأتجنب خراب بيت ابنتي المتزوجة .

ثم اتفقت مع ابنتي المخدوعة عن طريق أمها أن تكتم هذه الكارثة عن كل البشر وأولهم أختها المتزوجة من هذا الوغد .. وان تكتم عنه اعترافها لنا بهذا الأمر وان تهدده بإبلاغنا به إذا حاول الاتصال بها مرة أخرى واستمالتها إليه .

وقد حدث ذلك بعد أيام بالفعل واتصل بها محاولا شرح موقفه وأسباب إعادته لزوجته ، فصدته وأكدت له أنها قد أفاقت من غيبوبتها وطلبت منه عدم الاتصال بها مرة أخرى وإلا أبلغت أبويها وأختها .. فانكتم اللئيم ولم يجد ما يرد به على تهديدها وتوقف عن الاتصال بها . وأصبحت ابنتي الصغرى تعيش الآن تحت رقابة متصلة من جانبنا لعدم ثقتنا فيها ، وخوفنا الشديد من عودتها إلى ما كانت عليه ، وقد منعناها بالطبع من زيارة أختها ، كما أوعزت لزوجتي أن تطلب من ابنتي المتزوجة ألا تصطحب زوجها معها عند زيارتها لنا ، وبررت لها هذا الطلب بأننا مازلنا متأثرين بالطريقة التى اتبعها زوجها فى الصلح وإصراره على تجاهلنا .

وبالرغم من أن ابنتي الكبرى تقبلت هذه الرغبة منا بلا اعتراض إلا إنني بدأت أرى فى عينيها تساؤلات تبحث عن إجابة أخرى مقنعة لنفورنا الشديد من زوجها خاصة وقد أبلغتنا انه رجع إلى سابق عهده معها ورجع للاهتمام بها وبطفلهم وبالتالي فقد رجعت إليها سعادتها ولم يعد ينقصها إلا افتقادها للعلاقة الأسرية التى كانت تجمع بيننا قبل الأزمة لكن كيف أعيد علاقتي بهذا الخائن لكل العهود والمواثيق وكيف يؤتمن على دخول بيتي مرة أخرى قبل أن تتزوج ابنتي الصغرى على الأقل ؟ وكيف اضمن ألا يعاود إغوائها مرة أخرى ، صحيح أنها قد اقتنعت كما تقول وكما يبدو لنا بفظاعة الجرم الذى ارتكبته وأدركت عمق الكارثة التى كانت ستلحقها بأعزائها وبحياتهم لكن من يضمن لى عدم تكرار ذلك ؟

لقد تحدثت مع ابنتي بعد هذه الكارثة عن الحلال والحرام فذهلت حين اكتشفت ضحالة معلوماتها الدينية رغم أدائها الفرائض وندمت اشد الندم على أننا اعتمدنا فى تربيتها الدينية على ما تلقنه المدارس لأبنائنا من معارف دينية وحدها ، فإذا بحديثي معها يكشف عن جهل فاضح بالحلال والحرام وما يباح وما لا يباح ، وتحدثت كثيرا معها فى ذلك وأرشدتها إلى ما يجب أن تقراه فى الدين واعترفت بنفسها بعد ان خطت فى قراءاتها بضع خطوات أنها كانت تعيش فى جاهلية شديدة .

وحيرتي الكبرى الآن هى مع ابنتي المتزوجة التى بدأت تتأثر بموقفنا المتشدد من زوجها ، وأريدك أن تشاركني التفكير فى إجابة مقنعة لهذه التساؤلات : هل أصارح زوج ابنتي بما علمت من أمره وأواجهه بأخطائه حتى يعلم السبب الحقيقي لمقاطعته ويتوقف عن الضغط على زوجته لإعادة العلاقة بيننا إلى سابق عهدها .. أو ليتوقف عن تكديرها بسبب موقفنا منه ؟ أم اصارح ابنتى الكبرى بالكارثة رغم علمي بالنتائج المؤكدة لذلك وهى انفصالها عنه وهذا ما لا أريده لها ، خاصة بعد تحسن علاقتها به ؟
أم هل استمر فى مقاطعتي له دون إبداء أسباب مما يظهرني بمظهر المتشدد معه بلا سبب معقول ، وقد يؤدى إلى غضب ابنتي الكبرى ويوغر صدرها ضدي وضد أمها لأنها لا ترى سببا مقنعا لاستمرار مقاطعتنا لزوجها ؟
أم أتحامل على نفسي وأعيد علاقتي به إلى سابق عهدها ، وكيف سيكون شكل العلاقة إذا رجعت وأنا انطوى له فى أعماقي على احتقار شديد ؟
إنني فى حيرة من امرئ واعلم تماما ان الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية .. فأرجو أن ترشدني للطريق الأمثل للتصرف مع هذا الشاب الذى لم يرع حرماتنا ، وان تدلني إلى كيفية التعامل معه بما لا يهدم بيت ابنتي ولا يوغر صدرها فى نفس الوقت ضدي .. ولا يجبرني أيضا كانسان وأب مجروح على ما لا أطيق او احتمل !!

رائج :   الحياة السعيدة .. رسالة ن بريد الجمعة

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

تذكرت وأنا أقرأ رسالتك الشائكة هذه عبارة غريبة للشاعر الفرنسي الرجيم شارل بودلير يقول فيها : (( ان أعظم انجازات الشيطان انه اقنع البشر بأنه ليس موجوداً فى الكون ))
مع انه أقرب اليه من حبل الوريد ، ومع أن الإنسان مطالب بأن يجاهده طوال الوقت حتى لا يأسره ويضمه إلى رعايا مملكته اللعينة .

والواضح من رسالتك أن الشيطان قد حقق ” انجازاً ” آخر لا يقل عظمة عن إقناع البشر بعدم وجوده ، حين قارب بين ابنتك الصغرى المتمردة وزوج شقيقتها الكبرى التى كادت أسرتها تتهدم وطفلها يتشرد ، لأن اثنين من الرعايا قد نسيا فى غفلة من الضمير الإنساني والعائلي كل الاعتبارات الجديرة بالمراعاة والاحترام ، ولم يريا سوى أنانيتهما وجموحهما ورغباتهما الشائنة متسربلة بدعاوى الحب والهيام والالتقاء بالنصف الصحيح الذى أخطأ الطريق إليه منذ البداية !

أليس هذا ما يبرر به الإنسان دائما خروجه على كل الأعراف والتقاليد والاعتبارات الإنسانية والعائلية حين يفلسف لنفسه اعتداءه على الحرمات التى لا يجوز له الاقتراب منها مهما كانت الظروف ، ومهما كانت مكابدته للمشاعر الجامحة التى لا تعرف الحدود فى بعض الأحيان ؟

إن المشاعر لا سلطان لأحد عليها .. وقد تنحرف بالفعل أحيانا إلى ما لا ينبغي أن تتوجه إليهم . لكن أين سلطان الضمير الأخلاقي على سلوك الإنسان ؟!

وأين الوازع الديني الذى يكبح جماح المشاعر ويحبسها فى مكامن الصدور .. ويحاصرها إلى أن تذبل وتخمد وتلفظ أنفاسها بعد حين من مجاهدة النفس الأمارة بالسوء ؟! إن هذا ما يسميه الشاعر الانجليزي وليم بليك (( بقتل الرغبة فى المهد )) بدلا من المعاناة حين تتضخم وتتوحش وينفلت عيارها بالتسيب  الأخلاقي والتبرير الزائف للأخطاء ، وهذا أيضا ما تحذرنا منه القيم الدينية ، حين تطالبنا بعدم تعدى الحدود المشروعة للعلاقة المتحفظة بين رجل وفتاة لا تربطهما صلة الرحم . وقد غاب كل ذلك عن ابنتك الصغرى فأدى الى هذه المحنة التى تكابدها أنت وزوجتك الآن والتى تهدد بترك ظلالها على علاقتك الأبوية بابنتك الكبرى ، كما غاب أيضا عن ذلك الوغد الآخر الذى لم يتورع عن إغوائها او عن الاستجابة لندائها .. وأيا كان البادئ منهما ، فمسئوليتهما عن الخطأ واحدة ، وكلاهما شريك فيه وينبغي أن يتحمل تبعاته كاملة .

فإذا كانت ابنتك الصغرى قد أفاقت من غيبوبتها في الوقت المناسب فهي للأسف لم تفق منها علي صحوة الضمير كما قالت في البداية ، بل علي انكشاف خداع ذلك الشاب لها ونقضه لعهده معها في أن يمضي بالقصة إلى نهايتها المتفق عليها بالطلاق بينه وبين زوجته تمهيداً للارتباط بشقيقتها الصغرى ..

لقد خذلها شريكها في القصة المقززة ولم يصمد للنهاية ولم يقوى علي هدم أسرته وتمزيق طفله بينه وبين زوجته ،فزالت غشاوة الوهم عن عينيها وتبدت لها الحقيقة سافرة .

إنني لا اشك في صدق ندمها الآن على ما فعلت فلعلها قد ندمت بالفعل بعد أن تكشفت لها بشاعة ما كانت على وشك ارتكابه في حق شقيقتها وكل أفراد أسرتها ، لكنها لم تعترف في البداية بدافع الندم وإنما بدافع القهر ومرارة خذلان شريكها لها فأرادت أن تقطع ما بينها وبين هذا الغادر فضاعفت من خطئها بدلاً من أن تصححه .. وفجرت لكم هذه المحنه النفسية المؤلمة التي تعانوها الآن في علاقتكم بها وبابنتكم الكبرى وزوجها ولقد كانت تستطيع أن تقطع ما بينها وبين ذلك الوغد في صمت وان تردعه بمجرد تهديده بإبلاغ زوجته وأبويها لمحاولاته لتجديد علاقته بها ، كما كانت تستطيع أن تصمد أمامه للأبد وتلتزم أخلاقيا معه فتعفيكم من مواجهه هذه المحنه .. لكنها لم تستطع أن تكبح جماح قهرها بخذلانه لها فكشفت كل شئ و زادت من تعقيد هذه القصة المزعجة ولم تأنف حتي الاعتراف لامها بأنها كانت تحرض زوج شقيقتها عليها وتشجعه على الانفصال عنها وتطمئنه إلى أنها سترعى طفله فأي حضيض يمكن أن تتدهور إليه النفس البشرية أبشع من هذا الحضيض في بعض الأحيان ؟!

رائج :   الموعد المرتقب ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

إن المؤكد أن هذه الابنة الصغرى كانت تنطوي لشقيقتها على بعض مشاعر الغيرة والتنافس التي قد ترجع جذورها إلى مرحله الطفولة .. لكن من أين اكتسبت هذه القدرة التدميرية البشعة لعلاقات الرحم والعلاقات الإنسانية بهذه الخفة والرعونة ؟!

كيف كانت تتصور أن تحيا حياتها إذا تزوجت زوج شقيقتها وأقامت سعادتها الموهومة علي أنقاض تعاسة أختها وشقاء أبويها. هل كانت ستحيا حياتها في جزيرة مهجورة في قلب المحيط لا تحتاج فيها إلى أهل أو بشر ولا احترام احد ؟!

يا سيدي إنني أشفق عليك مما كابدته وتكابده الآن بسبب هذه المحنه المؤلمة ، وارى لك أن تستمر في مقاطعتك لهذا الرجل الذي لم يرع حروماتك وكاد يوردك وابنتك وأسرتك كلها موارد التعاسة ليس فقط عقاباَ له علي جرمه ولا حتي ازدراء له لما فعل وإنما حماية لابنتك الصغرى التي لا تضمن إذا ما رجعت المياه إلى مجاريها بينكم ألا يحقق شيطان بودلير انجازاً آخر على حساب ضعفها ووهن التزامها الديني .

ومن مواقف الحياة ما لا ينبغي أن نتحسب فيه أمام اعتبارات الشكل الاجتماعي أو العائلي او حتي لوم بعض الأبناء آذ لا خيار لنا فيه سوي اتخاذ المواقف الصحيحة ضد المخطئين غضبوا لذلك او لم يغضبوا وفهم أعزائنا أسبابنا أم لم يفهموها وفي ظروفك على وجه الخصوص فأن تتحمل لوم ابنتك الكبرى وعتابها الصامت لك خير لها ولك من أن تعرف السبب الحقيقي لمقاطعتك لزوجها ليس فقط لان النتيجة الحتمية هي الطلاق وتشريد الطفل الوليد وهو مالا تريده لها . وإنما أيضا لأنه سيكون من مضاعفات هذه النتيجة أن تفجع ابنتك الكبرى فى شقيقتها الوحيدة وزوجها وفى كل القيم والمبادئ الأخلاقية والعائلية والإنسانية ، وان يهتز أمامها كل شئ بقسوة وعنف وتفقد ثقتها فى الخير والبشر والعلاقات الإنسانية .

إن المنطق المادي المجرد يرفض إخفاء مثل هذه الكارثة عن ضحيتها ، ومبرره فى ذلك ان من حقها وهى محور القصة أن تعلم بما يدور حولها ، وان الحقيقة مهما كانت مؤلمة خير من اى زيف لكى يكون لها بعد أن تعرفها حق الاختيار واتخاذ قرارها على مسئوليتها وبناء على المعلومات الصحيحة .

لكن هل نقدر نحن حقا على تحمل تبعات مثل هذا المنطق العملي المجرد ، فنقطع بذلك ما بين شقيقتين إلى الأبد .. ونحرم طفلا وليدا بذنب أبيه المعجب بنفسه وخيلائه ، وذنب فتاة متمردة لم تقدر العواقب، ولعلها كانت نزوة عابرة فى حياة كل منهما وأفاق منها رغاما او راغبا ؟!

إنني أرى يا سيدي الا تزلزل حياة ابنتك الكبرى وقيمها ومثالياتها بهذه الصدمة القاسية فى شقيقتها وفى زوجها ، وارى ألا تحفل بلومها الصامت لك مقدرا أنها سوف تدرك ذات يوم بحاستها السادسة ان الأمر أعمق من أن يكون مجرد غضب عابر لتجاهلك فى إجراءات الصلح ، ولا شئ يضطرك لاستقبال هذا الرجل فى بيتك ومعاملته معاملة الابن مرة أخرى بعد أسابيع قليلة من جريمته التى لا تغسلها مياه البحر، فالأمر يتطلب زمنا ووقتا كافيين لنسيان الإساءات الجسيمة ، ولو اضطرتك الظروف ذات يوم لحضور مناسبة عائلية يتواجد فيها فقط تصافحه تجنبا للفت الأنظار ، لكن لا احد يستطيع أن يرغمك على أن تحبه او تحتفي به او تهلل لرؤيته وقد فعل ما فعل ، الا بعد أن يكفر عنه تكفيرا كافيا وطويلا ، وإلا بعد ان تذيب الأيام مرارته فى النفوس ..

الله سبحانه وتعالى كما يقول الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي .. لم يخلق احد مكروها ، وإنما نبغض الناس من الصور التى يحدثونها .. والصورة التى أحدثها زوج ابنتك كفيلة بان تفقدك احترامك له وترحيبك به لفترة طويلة .. فلا تواجهه بشئ إشفاقا على نفسك أنت من مثل هذا الحديث الجارح ، وتأكد انه قد فهم او سيفهم بمرور الأيام السبب الحقيقي لموقفك منه ، فإذا أراد أن يكفر عنه فليخلص لزوجته ويحسن معاملتها ويصبر عليك وعلى زوجتك إلى أن تصبحا على استعداد للتجاوز عن خطيئته .

ولن تهدأ مخاوفك من ناحية ابنتك الصغرى فى النهاية الا حين تتزوج وتدخل فى عصمة رجل آخر يصبح مسئولا عن حمايتها .. ولهذا فلا مجال للحديث الآن عن إعادة المياه إلى مجاريها بينكم وبين هذا الشاب .. ولا مفر من تحمل العتاب الصامت من ابنتكم الكبرى والصبر عليه وعلى تباعد زياراتها إلى أن تتغير الأحوال .. ولله الأمر من قبل ومن بعد .

من أرشيف جريدة الأهرام

 نشرت سنة 1988

مقالات ذات صلة