اجتماعياتقضايا وأراءوعي

فايرس كورونا و انهيار النظام الصحي في مصر || .. هل الانفجار قادم؟

“لا أقول إنهم لم يوضعوا على أجهزة التنفس، بل أقول لم يُفحصوا أصلا، ولا يتوجه لهم الأطباء حتى حين يموتون”

جاسون فان سكور، طبيب عناية مركزة إيطالي @jasonvanschoor

ناس كتير مش فاهمة معنى تعبير “انهيار النظام الصحي” كإنه حاجة مجازية.
انهيار النظام الصحي هو الخطر الأكبر في فيروس كورونا\كوفيد١٩، لا يقل خطورة عن نسب الوفيات.
والخطة البريطانية (المثيرة للجدل وغير المؤكد نتائجها) كررت ان ده من أهم اعتباراتها.

المعطيات كالتالي:

أولا: الانتشار:

* معدل العدوى مرتفع. بتتحسب بحاجة اسمها R0 معناها بتبسيط عدد من ينتقل لهم الفيروس من كل مصاب، الرقم هنا ٣-٤، بينما الانفلونزا ١.٣ يعني ٣ أضعاف.
الفارق ده رهيب، لأنه حسب علماء الاحصاء بعد ٢٠ دورة عدوى بمعدل ١.٣ المريض الواحد هيعدي ١٤٦ شخص، بينما لو معدل ٢.٥ الرقم هيوصل ٣٦ مليون!!

* فترة حضانة الفروس بدون أعراض قد تكون طويلة، قد تصل ١٤ يوم، خلالها الشخص بيعدي من حوله بدون أي علامات.
* نتيجة النقطتين السابقتين ان عدد المصابين يتضاعف كل ٣ -٦ أيام.

ثانيا: الخطورة:

* صحيح إن معدل الوفاة في حد ذاته محدود حول ٣.٤٪، لكن لما نقارنه بالانفلونزا اللي نسب الوفاة بها ٠.١ ٪؜ نشوف الفارق الشاسع. ٣٤ ضعف!
*لا يقل خطورة إن معدل الحاجة لتدخل طبي عالية. ١٧٪ بيحتاجوا تدخل طبي، و٥٪ بيحتاجوا تدخل حرج جدا عناية مركزة واجهزة تنفس صناعي وبدونها الوفيات تتصاعد.

ثالثا: من المعطيات السابقة ينتج التالي: الانفجار!

في لحظة واحدة البلد بتصحى على آلاف المختنقين، التهاب رئوي حاد، المرض بيدمر الحويصلات الهوائية.
الآلاف يتدفقون على المستشفيات..

في مركز الانفجار بشمال إيطاليا كل المستشفيات امتلأت، كل ما يمكن تحويله لمستشفى امتلأ، ثم بدأوا يعملوا مستشفيات ميدانية في خيام..
كل غرف العناية المركزة امتلأت، كل أجهزة التنفس الصناعي، ثم كل أقنعة الاوكسجين..

ثم تأتي لحظة قرارات اختيارات الحياة كالحروب. بشكل ميداني تم تطوير بروتوكول ان كل من عمره فوق ٦٥ سنة، وكل من عمره تحت ٦٥ وعنده حالة مرضية مصاحبة سيُترك ليختنق حتى الموت!

أطباء يبكون وهم يبلغون مرضى أنه لا يتوافر حتى قناع اوكسجين.
الناس تموت على أبواب المستشفيات..
نسب الوفاة ترتفع، لذلك ايطاليا سجلت النسبة الاعلى عالميا: ٦.٧٪، ضعف المعدل.
هم كل من كان يمكن انقاذهم ولم يمكن.

والأسوأ لم يأتِ:

الأطباء والتمريض بعد العمل بلا حدود ٢٤ ساعة ينهاروا بدورهم، من التعب أو بعضهم يصاب بالفيروس أيضا.
تخرج وحدات طبية كاملة من الخدمة..

ثم كل ده أصلا عبء اضافي على نظام صحي له وظائف أخرى.
كل الحالات المرضية الأخرى تُرفض. لا مكان لمريض غيبوبة سكر أو مصاب في حادثة. المزيد من الموتى على الأبواب.

الانهيار الصحي يجلب انهيار اقتصادي.

مش بس كل الانشطة تتوقف، كمان قد تبدأ “سلاسل التوريد” بالاضطراب، مزارع او مصانع تتقفل بعد ظهور حالات فيها، سائقين نقل ميشتغلوش..الخ. عشان كده حصل تدخل حكومي حاسم بيعمل اغلاق تام بقوة الشرطة والجيش وبنفس الوقت بيشرف على تنظيم استمرار توفير الغذاء والأدوية والأساسيات.

..
الصور الكابوسية دي نقلتها تغريدات أطباء من اقليم لومباردي شمال إيطاليا، وهي منطقة غنية عندها نظام صحي متقدم..
كل ده حصل في أقل من شهر من تاريخ أول حالة إيطالية مسجّلة اللي كانت في ٢٠ فبراير! وبعدها كان المعدل حول ١ – ٤ حالات، لدرجة مسؤول ايطالي تفاخر بنجاح بلاده في حصار المرض!

مع بداية مارس الانفجار المروع حصل.
الأرقام الرسمية في ايطاليا النهاردة ١٥ مارس أكتر من ٢١ ألف إصابة و١٤٠٠ وفاة.

مع التأكيد إنه عالميا العدد المعلن نسبة محدودة جدا من الواقعي، لإن المعلن هو فقط عدد اللي عملوا تحليل البي سي آر وطلع ايجابي.
التحليل مرتفع الكلفة ويستغرق وقتا، عشان كده بروتوكول منظمة الصحة العالمية نفسه يقول بان التحليل يُجرى فقط لحالة “مشتبه بها” بمعايير معينه.
عشان كده رئيس الوزراء البريطاني قال ان علميا نقدر ان عندنا ٥-١٠آلاف مصاب، التصريح ده يوم ما العدد المعلن في بريطانيا كان ٥٩٠، يعني الحقيقي ١٠- ٢٠ ضعف الحالات المؤكدة!

“حين يحل الوقت الذي تبدأ فيه بملاحظة أن أسرة المستشفيات ممتلئة، فإن العدوى تكون قد وصلت في الواقع بالفعل إلى مستوى يفوق خمسة إلى عشرة أضعاف قدرة التعامل الطبي معها!”.
من مقال نشره المختصان بالإحصاء، جيرمي هاوارد وراشيل توماس

  • ومصر؟

المشروح سابقا بيقول أولا ليه انا عندي قدر من الثقة في البيانات الحكومية المصرية.
أنا فاكر وقت هوجة انفلونزا الطيور والخنازير وكانت أقل بكتير من الحالي، كنت طالب في طب أسيوط، وتدفق شلال الحالات على استقبال مستشفى الجامعة والأطباء كانوا مش ملاحقين وطلاب امتياز نزلوا.

لا يمكنك اخفاء صوت انفجار.
أنا موجود بجروبات اطباء وأصدقائي أطباء. فيه كلام طبعا حول حالات بتظهر، ووارد تكون بعضها لا تدخل بالحصر خاصة انه مفيش اعلان عن التوزيع الجغرافي للحالات.

لكن “الانفجار” محصلش فعلا بحمد الله. مفيش آلاف مؤلفة من المختنقين تتدفق على استقبال المستشفيات.
تاني: لا يمكنك اخفاء صوت انفجار.
..
لكن ماذا لو حدث؟ لو بعد أسبوع أو اسبوعين حصل؟

لا يوجد نظام صحي في العالم يمكنه استيعاب انفجار كهذا.
وبنتكلم عن أنظمة عالم أول.

مثلا في مقال توماس بيو الهام بيتكلم عن أمريكا ان حاليا فيها ١٢ مليون قناع من نوع N95 و ٣٠ مليون قناع جراحي، بينما لو تدفق ١٠٠ ألف اصابة بس الفرق الطبية هتحتاج ٣.٥ مليار قناع، يعني الموجود ١٪ فقط من المطلوب!

الولايات المتحدة كلها عندها ٢٥٠ جهاز ECMO وده جهاز (الأكسجة خارج الجسم)، اللي بياخد الدم ويعمل دورة الاوكسجين وثاني أوكسيد الكربون بالخارج ويرجع الدم.

مثلا في بريطانيا بنتكلم عن الإن اتش اس (جهاز الخدمات العامة الصحية) زي وزارة الصحة ده قوته ١.٧ مليون عامل، خامس اكبر مشغل في العالم، ومع كده الخطة اللي تتضمن ضمنيا التضحية بكبار سن ومرضى بتقول بصراحة ووضوح ان قدراتنا الحالية لا يمكنها الاستيعاب.

مثلا طاقتهم الحالية لتحليل البي سي آر ١٥٠٠ فقط في اليوم، عشان كده وقفوا التحاليل تماما حتى للمشتبه (مثلا مواطن راجع من الصين وعنده ارتفاع درجة حرارة وسعال) يتقاله لا تحاليل ولا علاج ولاعزل، اعزل نفسك في بيتك ٧ أيام.

بينما التحاليل والعلاج والعزل بمنشأة طبية فقط للي عنده اعراض تمثل خطورة.
بالتوازي عندهم سباق مع الزمن لمضاعفة كل القدرات قبل الوصول للحظة الانفجارية اللي بيحاولو يأخروها.

الخطة بتقول مثلا ان قدرة تحليل البي سي آر هنرفعها الى ٢٠ ألف في اليوم، ومضاعفة قدرات استيعاب العناية المركزة واجهزة التنفس وكل شيء متعلق.
….

  • ومصر؟

مصر بالفعل فيها عجز كارثي بأسرة المستشفيات وأكثر كارثية بالعناية المركزة، وبطواقم الاطباء والتمريض عموما، والمختصين بالعناية المركزة خصوصا.
الدولة كلها بالحكومي والخاص فيها ١٢٣ الف سرير لاكتر من ١٠٠ مليون. سرير واحد لكل ٨١٣ مواطن.

انا حكيت سابقا عن معاناة العثور على سرير واحد فقط مهما كان معاك فلوس، ووالله شفت مشهد ست بتملا طرابيزة الاستقبال بمستشفى فخم فلوس بهستريا فيتقالها خدي فلوسك مفيش مكان..
فأي مقارنة بالخطة البريطانية – الجدلية اصلا – ده استهبال تام.

رائج :    الاعراض اللي عند ابني دي كورونا ولا برد عادي ؟! اعرف ازاي ؟!

أتصور والله أعلم المستقبل سيناريو من اتنين.

السيناريو الأول: الرحمة:

ان فعلا يظهر ان الفيروس أثره أقل ببلادنا.
بشكل عام دول افريقيا وامريكا الجنوبية الحالات فيها اقل و (الانفجارات) مظهرتش .. البعض ربطها بدرجات الحرارة، لكن ده احتمال لا دليل علمي عليه حتى الآن، بل فيه أدلة عكسية وهي ان استراليا وسنغافورة عندهم دلوقتي الصيف وحر وبرضه بينتشر بكثافة.

حاليا فيه نقاش لكن لم يثبت برضه ان ربما العرق له دور زي امراض اخرى، ربما الآسيويين والاوروبيين عندهم الاعراض اكثر حدة من الافارقة، لكن تاني ده غير مؤكد وغير علمي للآن.
وكمان أكيد ارتفاع نسب الشباب وصغار السن لها دور.
ومع شوية جهد هتعدي.

رائج :   هزيمة يونيو المستمرة || (10) الإعلام المصري في حرب يونيو: جزء 2 من ٢

السيناريو الثاني: الكارثة قادمة .. ودي الواحد مش محتاج يتكلم فيها.

حكيت اللي حصل في شمال ايطاليا، هنشوفه اضعافا مضاعفة بعد الشر.
..
الحل؟
مفيش (الحل) بشكل كامل.
الكارثة تشمل العالم كله. لكن بالتأكيد يمكن تخفيفها.
على الأقل الحكومة تاخد الاجراءات الرسمية المطلوبة، والكل يلتزم بالاجراءات الفردية المعروفة.

مثلا الرسم المرفق واخده من مقال توماس بيو، كل منحنى مكمل تحت (دالة خطية) ومنفجرش بشكل الجرس (دالة أسية) هيا منطقة صينية اتطبقت عليها اجراءات صارمة جدا بعد درس ووهان. يعني ده النموذج الناجح اللي اتطبق بالفعل، صعب جدا لكنه حصل ومش مستحيل، في المقابل انفجارات ايطاليا وايران وكوريا الجنوبية.

قرار تعليق الدراسة كان ايجابي، أرجو الا يكون الوقت تأخر عليه، وبالمثل مهم تعليق كل التجمعات بكل اشكالها، بما في ذلك الأفراح والجنازات وصلوات الجماعة، وناس الكنائس اللي منشفين دماغهم في موضوع التناول الجماعي، وبالطبع المساجين المكدسين!

والناس كلها مفروض تتعامل بمسؤولية فردية جادة.
في شمال ايطاليا كان فيه ناس بتتصنف مصابة ايجابي فيخرجوا عادي ويزوروا اصحابهم ويرددوا كلام غبي زي اكيد هنخف احنا شباب ودي انفلونزا، لحد ما الناس فاقت بعد فوات الأوان.

مفيش حكومة في العالم هتتحكم ان مواطنها يغسل ايده بالصابون أم لا.
ورغم ان الواحد فعلا يشعر بحيرة من ادراك ان الأمر أضخم..

مثلا النهاردة صور المترو المكدس؟ ما الناس مكدسة لأنهم ١٠٠ مليون، ولازم يروحو الشغل، فهيتكدسو في المترو والمكروباصات، لو مراحوش المخاطر قد لا تقل عن الفيروس في بلد اغلب اقتصادها في القطاع غير الرسمي وعمالة غير منتظمة (٤٦٪ من قوة العمل المصرية تحت تصنيف “قطاع خاص خارج المنشآت).

لكن بالمقابل لو مضطر تروح الشغل أكيد انتا مش مضطر تروح قهوة أو مول.
تاني مش صح أبدا ان كله محصل بعضه.. بالتأكيد فيه فارق بين كارثة تقتل ١٠ آلاف أو تقتل مليون .. كارثة تدمر الاقتصاد لكن الناس لاقية تاكل، أو تدمره والناس تتقاتل على رغيف..!

هل هنشوف فعلا شعور بالمسؤولية الرسمية والفردية قبل الانفجار؟
لا خيار إلا ذلك.. أو ده المفروض يعني..


  • تحديث

رائج :   تعامل الحكومة المصرية مع تطورات كورونا || تقليد أعمى و مصير مجهول

دلوقتي حالا ايطاليا أعلنت التحديثات، ٣٦٨ وفاة وهو أعلى معدل في يوم واحد منذ بداية الوباء، بالاضافة لحوالي ٣٦٠٠ حالة مؤكدة جديدة ليصبح اجمالي ايطاليا:
٢٤٧٤٧ إصابة و ١٨٠٩ وفاة.

مقالات ذات صلة