أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

السؤال المهم ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله) 

قررت أن أكتب لك منذ عدة سنوات وها قد شاءت الأقدار لي أن أكتب لك الآن‏,‏ فأنا سيدة في الثالثة والثلاثين من عمري‏..‏ ارتبطت وأنا صبية في سن الرابعة عشرة عاطفيا بفتي يماثلني في السن ومن جيراننا‏..‏

ولم تتجاوز صلتي به في البداية النظرات والإشارات الي أن تبادلنا الاعتراف بالحب وتعاهدنا علي أن يكون كل منا للآخر مهما طال الزمن‏,‏ واستمرت علاقتنا العاطفية ثماني سنوات كاملة ثم تقدم فتاي لأسرتي طالبا يدي ورفضته الأسرة في البداية بسبب تقارب السن‏,‏ ثم رضخت في النهاية لرغبتي وتمت الخطبة وأنهينا دراستنا‏..‏

وعمل خطيبي وعملت أنا أيضا‏..‏ وتم الزفاف بعد قصة الحب الطويلة التي تملكتني منذ صباي‏,‏ وبعد بضع سنوات من الزواج تبين لي ولزوجي أنني غير قادرة علي الانجاب‏,‏ فبدأت معاملة أم زوجي لي تتغير بعد أن كانت بمثابة الأم الحنون بالنسبة لي‏,‏ وبدأت تحث ابنها علي الزواج من أخري من أجل الانجاب‏,‏ ورفض زوجي في البداية لأنني حب العمر بالنسبة له‏,‏ لكن استمرار الإلحاح عليه دفع به في النهاية الي الضعف‏..‏ فجاء يضع الأمر بين يدي ويسألني عن رأيي‏..‏

وبكيت وأنا أبلغه عن موافقتي علي زواجه لكنه كان يعرف جيدا أنني لم أفعل ذلك إلا أرضاء له‏,‏ فعدل عن فكرة الزواج وصارح أمه بالرفض‏,‏ وتصورت أن الأمر قد انتهي عند هذا الحد‏,‏ لكن والدته لم تيأس من الإلحاح عليه بفكرة الزواج وفوجئت به يقبل بها بعد شهور ويعرض علي الأمر مرة أخري‏..‏ ولم أستطع هذه المرة المقاومة‏,‏ وكتمت حسرتي في قلبي واعتصمت بالصمت‏..‏

فتزوج زوجي من فتاة اختارتها له أمه مع احتفاظه بي‏,‏ ولن أصف لك ماشعرت به خلال هذه الفترة‏,‏ وإنما سأقول لك إنني قد رضيت بما كرهته لنفسي لكن زوجته الأخري هي التي لم ترض بواقعها مع أنها قد قبلت بالزواج منه وهو متزوج‏,‏ فراحت بعد أن أنجبت منه طفلا تضغط عليه لكي يطلقني وشاركتها والدة زوجي في الضغط عليه بدعوي أن حياته قد استقرت مع الزوجة الجديدة بالانجاب‏,‏ وأن وجودي في حياته لن يعني له سوي المشاكل والاضطرابات‏..‏ وأدركت أنا حيرة زوجي وتمزقه بين حبه لي وضغط زوجته ووالدته عليه‏,‏ فقررت أن أعفيه من عهده معي‏..‏ وطلبت منه الطلاق لكي أوفر عليه الحرج‏,‏ وافترقنا بالدموع‏..‏

رائج :   الورقة المطوية .. رسالة من بريد الجمعة

وبلا مرارات‏..‏ وعشت حياتي أحاول تضميد جراحي‏..‏ وتابعت عن بعد أخبار الرجل الذي أحببته وأنا صبية في الرابعة عشرة من عمري‏,‏ وعرفت أنه قد أنجب طفلا ثانيا‏,‏ ثم تقدم لي رجل متزوج ولديه أبناء يرغب في الزواج مني بحجة أن زوجته مريضة ولم تعد قادرة علي تلبية احتياجاته‏,‏ ولم أجد في نفسي أية رغبة في تكرار مأساتي الشخصية مع زوجة أخري‏,‏ فاعتذرت عن عدم قبوله‏..‏ وقلت لأهلي أنني لا أشعر بأنني قد أصبحت مستعدة بعد للارتباط برجل آخر بعد الرجل الذي أحببته‏ 8‏ سنوات قبل الزواج‏.‏

والحق أنني كنت صادقة في ذلك مع نفسي فلقد كنت مازلت أحب هذا الرجل‏..‏ ولم أتخلص بعد من تأثيره علي شخصيتي وأفكاري‏,‏ وكرهت أن أرتبط برجل آخر ومازال قلبي ممتلئا بغيره‏.‏

ومضت خمس سنوات فوجئت بعدها بمصرع زوجة فتاي القديم في حادث طريق مؤلم‏..‏ وانقبض صدري لما سمعته‏..‏ ثم مضت عدة شهور واذا بي أراه فجأة في مجال عملي وأري نظرة الاشتياق في عينيه‏..‏ وقال لي إنه قد جاء للاطمئنان علي فتجنبت النظر في عينيه لكيلا ترطب نظراته النبع الجاف في داخلي فتتدفق مياهه مرة أخري‏..‏ وانتهت الزيارة بسلام‏,‏ ووجدتني مشغولة الفكر‏,‏ الخاطر به‏..‏ ولم يمض وقت طويل حتي رجع مرة أخري‏,‏ ثم تكررت الزيارات الي أن اضطررت لأن أرجوه عدم تكرار الزيارة حتي لايثير حولي الاقاويل في مكان عملي‏..‏ فإذا به يصارحني برغبته في أن نستكمل قصة حبنا وزواجنا التي تدخلت ـ كما يقول ـ الظروف وحالت دون استكمالها‏!‏

رائج :   الفخر الجميل .. رسالة من بريد الجمعة

ووجدتني أرفض عرضه علي الفور دون تفكير بل ووجدتني ألومه في أعماقي واتهمه بأنه قد تخلي عني وهجرني ست سنوات ودخلت حياته امرأة أخري فلما تدخلت الأقدار وانطوت صفحة حياتها القصيرة‏..‏ جاء يريد استرجاع سنوات الحب الضائعة بمثل هذه البساطة؟

وقلت له ذلك فقال لي إنه لن يلومني إذا رفضته لكنه يرجوني فقط أن أعيد التفكير في الأمر وألا أسمح لكرامتي الجريحة بأن تختار لي طريقا لايريده قلبي‏.‏ ووعدته بالتفكير‏ ..‏ واستشرت أهلي فلم أجد منهم رفضا لعودتي له لعلمهم بحبي له منذ عشرين سنة ولأنني أيضا كنت قد أصبت بالاكتئاب بعد طلاقي منه لمدة عامين‏,‏ لكني لم استطع بالرغم من ذلك أن أتخلص بعد مما أشعر به من مرارة تجاهه‏,‏ وكلما استشرت صديقة لي في قصتي ظنتها قصة من قصص السينما وليست من واقع الحياة‏.‏

وأنني أسألك ياسيدي هل من العدل بعد أن تخلي عني زوجي السابق وتزوج من أخري أن أرجع اليه الآن لأنه يحتاجني لتربية طفليه‏,‏ أوليس من حقي أن أرفضه‏..‏ كما رفضني يوم استجاب للضغط عليه وطلقني؟

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

من حقك بالطبع أن ترفضيه‏..‏ وأن تشعري تجاهه بالمرارة لاستجابته لضغوط زوجته الراحلة عليه ووالدته للتخلي عنك بعد‏15‏ عاما من الارتباط العاطفي الوثيق‏..‏ لكن السؤال الأهم ياسيدتي هو‏:‏ وماذا لو لم يكن زوجك السابق قد عرض عليك استكمال قصة الحب والزواج التي حالت الظروف المؤلمة دون استكمالها‏..‏؟

ألم تكن مرارتك تجاهه ستكون أعمق غورا من مرارتك منه الآن‏..‏؟ أولم تكوني تشعرين باللوم الأعظم له لأنه وبعد أن أتاحت له الأقدار استكمال القصة الحقيقية في حياته‏..‏ لم يفكر في تعويضك عما تسبب لك فيه من آلام وأحزان‏..‏ ولم يقبل هذه الفرصة القدرية التي لا تتكرر في الحياة كثيرا لتصحيح الأخطاء السابقة؟

أغلب ظني أن لومك لو لم يفعل ذلك كان مقدرا له أن يكون أشد وأعمق‏,‏ وفي تقديري أنك لاترفضينه الآن رفضا حقيقيا ونهائيا‏..‏ وإنما تشعرين فقط أنك لم تستأديه بعد ضريبة التفكير الكافية عن تخليه عنك وانصرافه الي زوجته الراحلة وطفليه عنك‏,‏ ولاشك في أنها رغبة مؤقتة في الانتقام العاطفي ستأخذ دورتها الزمنية ثم تخلي مكانها لمشاعر الحب المتأصلة منذ الصغر‏..‏ وللرغبات الحقيقية التي تتواري الآن وراء اعتبارات الكرامة الجريحة ولهذا فإنني لن أنصحك برفضه ولا بقبوله وانما سوف أنصحك بالصدق مع نفسك‏..‏ وبتحري رغباتك الحقيقية ثم اتخاذ قرارك بعد ذلك علي ضوء ما تنتهين اليه من استقرائها والاعتراف بها لنفسك‏..‏

رائج :   الشمعة المنطفئة ! .. رسالة من بريد الجمعة

وعلي أية حال فلقد كان من المنطقي أن ترفضي عرضه عليك بالعودة لعصمته للوهلة الأولي‏..‏ مدفوعة في ذلك باعتبارات الكرامة وأيضا باعتبارات الشك في أن رغبته فيك ليست مبرأة تماما من الدوافع العملية‏,‏ أي من حاجته الاضطرارية بعد رحيل زوجته الي أم بديلة لطفليه الصغيرين‏..‏ وبالرغم من مشروعية هذا الدافع وانسانيته إلا أن كرامتك الجريحة كأنثي تحتاج الي أن يشعرك زوجك السابق بأنه لايفكر فيك كأم بديلة‏,‏ وانما كحبيبة قديمة حالت بينه وبينها الظروف القاهرة‏,‏ وعلي قدر نجاحه في اقناعك بذلك ستختصرين فترة معاندة النفس والقلب‏..‏ وتقبلين بما تريدينه في أعماقك منذ البداية لكنك تشعرين بحاجتك الي مزيد من الترضية والتفكير قبل أن تمضي اليه‏.‏

والأقدار ياسيدتي قد تتولي أحيانا حل بعض المشاكل التي يستعصي علي البشر حلها بقدراتهم المحدودة‏,‏ ولقد شاءت الأقدار التي فرقت بينك وبين حب العمر من قبل أن تتيح لكما الفرصة من جديد لاجتماع الشمل‏,‏ ولتعويضك عن حرمانك من الأمومة بهذين الطفلين اللذين ينتسبان الي من أحببته وأنت مازلت في الرابعة عشرة من عمرك‏..‏ ففيم التردد إذن؟ ولماذا لا تعطين لنفسك الوقت الكافي لتذويب المرارات وإخلاء الإناء من رواسبه القديمة‏..‏ ثم تتفتحين بعد حين للحب‏..‏ وللأمومة مع زوجك السابق وطفليك الصغيرين هذين؟

مقالات ذات صلة