أجمل رسائل بريد الجمعة

السيف البتار ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أنا سيدة أرملة في الثانية والثلاثين من عمري, وأريد أن أعترف لك أنني قد قتلت زوجي ! نعم أريد أن أعترف لك أنني قد قتلت زوجي! نعم أريد أن أعترف لك لأستريح..وليهدأ ضميري الذي يؤرقني الآن ليل نهار .. لقد قتلت زوجي فعلا, ولكني لم أقتله بساطور ولا بالبلطة, وإنما قتلته بغبائي وكبريائي وعنادي وتكبري واستعلائي عليه وبكثرة طلباتي منه.

فلقد تزوجته منذ ثماني سنوات وهو يعمل موظفاً وأنا موظفة بإحدى الهيئات الحكومية, ومنذ اليوم الأول لخطبتي له اشترطت عليه لقبوله ألا أعمل بعد الزواج وأن يهيئ لي مستوي الحياة الذي أعيش فيه في بيت أهلي, ونفس المستوى الذي تعيشه زوجات اخوتي,

ورغم الفارق الهائل بين دخولهم ودخله .وقبل ذلك راضياً, وتزوجنا, وتركت العمل وقبعت في البيت أطالبه كل يوم بالوفاء بوعده, واستجاب والتحق بعمل مرهق لا علاقة له بطبيعة عمله الحكومي, فكان يخرج كل يوم في السابعة صباحا ويعمل بوظيفته حتى الساعة الثانية بعد الظهر ثم يجري ليلحق بعمله الإضافي بلا غداء فيعمل به من الثالثة إلى الثانية عشرة مساء كل يوم ..

واستمر على ذلك منذ الشهر الأول من زواجنا, وكلما أحسّ بالإرهاق وهمّ بأن يناقشني في مسألة العودة للعمل لأساعده, خاصة حين كان الرجوع عن الاستقالة ممكنا, ثرت عليه وعيرته بفقره وقلة إمكاناته وصحت فيه لماذا تزوجتني وأنت غير قادر على نفقات حياتي..

ولعنت اليوم الأسود الذي تزوجته فيه, فيسكت صابرا ويواصل العمل من الصباح حتى منتصف الليل, وليتني بعد ذلك قدّرت له كفاحه من أجلي أو محاولاته لإرضائي وإسعادي, إذ لست اذكر _للأسف _إني قلت له مرة كلمة شكر أو كلمة حب تهوَن عليه شقاءه .. أو حتى كلمة تعاطف أو عطف وهو يعود منهكا في آخر الليل .. أو حين يقدم لي شيئاً طلبته .. إذ كان أقصى ما أتكرم به عليه هو ألا ألومه أو ألا انتقده أو ألا أبخس قيمة الأشياء التي جاءني بها, وفي مثل هذه الحالات النادرة كان يسعد كثيراً,حتى كانت سعادته في بعض الأحيان تغيظني فأكاد أفسدها عليه بكلمة قارصة من الكلام الذي تعودتأن أوجهه له, ومضت 8 سنوات علي زواجنا وزوجي يكرس حياته لإرضائي ولا يجرحني بكلمة, إلى أن صحوت ذات ليلة على صوته وهو يصرخ من شدة الألم..

رائج :    الاعراض اللي عند ابني دي كورونا ولا برد عادي ؟! اعرف ازاي ؟!

وأسرعت بنقله للمستشفى وهناك ذهلت حين عرفت أنه مريض بمرض خطير منذ فترة طويلة وانه كان يتحامل على نفسه ويهمل العلاج خوفا من نفقاته الباهظة, وتعجبت من إنه لم شُرِ إلي مرضه معي من قبل, كأنه كان يشفق عليّ حتى من أن يشغلني بأمره .. وهو من لم يكن له شاغل سواي.

ولم يطل بقاؤه في المستشفى, فلقد تدهورت حالته سريعا وفارق الحياة وهو يمسك بيدي ويشكرني على “السعادة” التي منحتها له خلال السنوات التي عاشها معي .. وبكيت بحرقة عليه وأنا أتساءل في مرارة وحسرة لا يعرف عمقها غيري .. وأين هي هذه السعادة التي منحتها له .. لقد قتلته بالإرهاق .. وبالتدريج ..

وظل يموت قطعة قطعه طوال السنوات الأخيرة وأنا لا أحس به ولا أدري ولا أشفق عليه ولا أرحمه ولا أرى إلا مطالبي وطلباتي ومقارناتي مع زوجات إخوتي, والآن أبكي عليه بالدمع السخين بالساعات كل يوم .. أبكي الرجل الذي أحبني بكل ذرة في كيانه فكرهته وعذبته وأنكرته ومات قبل أن يسمع مني كلمة حب واحدة .. إن الندم يقتلني الآن ولكن بماذا يفيد الندم يا سيدي, لقد قررت أن أكتب إليك لتعرف كل زوجة تفعل مثلما فعلت بزوجي الطيب .. أنها ستشرب من نفس الكأس التي أشرب منها الآن, وسينبذها الجميع بعد رحيل زوجها حين يتذكر لها الجميع ما صنعت وما فعلت، فلا أحد في البيت يتكلم معي حتى إخوتي الذين يتهربون الآن مني ويوصون زوجاتهم بعدم الاختلاط بى حتى لا تصيبهن “العدوى” مني.

رائج :   الرحيل ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

وآه يا سيدي مما أحسه حين أتذكر صورته .. وابتسامته المحرجة حين أقسو عليه .. وأحس إني سألحق به قريبا .. لكن بأي وجه ألقاه بعد ما فعلت به ما فعلت .. وهل يغفر الله لي حقاً ذلك .. إنني استغفره كثيراً وأبكي ندماً طويلاً .. فهل يغفر الله لي ما صنعت؟..

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

لأحد الصالحين قول حكيم يقول فيه:

“ليس البكاء بتعصير العيون, وإنما بأن تترك الأمر الذي تبكي عليه”

لهذا فإني أرجو أن يكون بكاؤك على زوجك ندما صادقاً على ما فعلت به, وبداية لتغيير نظرتك كلها إلى الحياة وإلى العلاقة الزوجية في مستقبل الأيام ..

فلقد فاتك الكثير حقا خلال رحلة حياتك الماضية مع زوجك الراحل, وآن لك أن تعرفي أنه من حسن الإيمان ألا يبخس المرء أقدار الآخرين, وألا يسفه جهودهم وكفاحهم الشريف من أجله, وألا يتعالى عليهم ويعيّرهم بضعفهم وقلة حيلتهم وضيق أرزاقهم, وألا يكتم الشكر لهم حين يستحقون الشكر, والمديح حين ينبغي أن يمدحهم وألا ينكص عن تشجيعهم حين يلتمسون منه التشجيع والعطف, فكتمان الشكر جحود, وإنكار الفضل إثم ..

أما البخل بالعطف على من يحتاجون إليه فهو ليس قسوة غير إنسانية فقط وإنما أيضاً جهل بطبيعة الإنسان الذي يحتاج دائماً إلي العطف النبيل, لقد قال عالم النفس الأمريكي أرثر جيتس:

إن الجنس البشرى كله يتلهف علي عطف الآخرين منذ فجر التاريخ.

والزوج الذي يشقى لإسعاد زوجته من أحق الناس يعطف كل منهما على الآخر لكي يهون عليهما معا عناء الحياة .. فلماذا تقسو القلوب أحيانا على من لا يحملون لها إلا أصدق الحب؟

رائج :   الأرادة الحرة ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

ولماذا لا نعرف لهم أقدارهم دائما ولا ندرك قيمة نبع الحب العميق الذي نهلنا منه بلا حساب إلا بعد أن يفارقونا ونتلفت حولنا فلا نجد لأنفسنا أيه قيمة إلا لدي من كانوا يتلهفون علي كلمة حب أو عرفان واحدة منا فلا يسمعونها,

إن زوجك الراحل لم يمت بسيف المرض والإرهاق وحدهما وإنما مات أيضا بسيف النكد والنقد العقيم المستمر الذي لا يفيد ولا يغير من الأمر شيئاً, وسيف التكبر عليه وخنجر افتقاد التقدير ممن تفانى في حبها, وكلها أسلحة فاتكة تقصف العمر وتسرع بالهلاك, وما شكره لك عند الرحيل إلا استمرار لإنكار نفسه ورغبة منه في أن يجنبك عذاب الضمير وقبول منه لأقل القليل والرضا به .. فأي حب عظيم كان يحمله لك وأي خسارة فادحة قد خسرتيها بافتقاد هذا الحب الطاغي الفريد؟؟

لقد حذرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من أن نحاسب البشر عما لا حيلة لهم فيه, وهو رزقهم فقال ما معناه انه سوف يأتي علي الدنيا زمان يكون فيه هلاك المرء على يد زوجته وولده, يعيرونه بالفقر ويطالبونه بما لا طاقه به, فيدخل المداخل التي يفقد فيها دينه وخلقه فيهلك .. فاذكري ذلك جيدا يا سيدتي واجعلي من ندمك على ما فعلت رجوعا عن كل أفكارك الخاطئة وتطهري من كل ما فعلت .. والله يغفر لمن يشاء ويقدر والسلام

Related Articles