أجمل رسائل بريد الجمعة

الفراشـــة المتنقـلة ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أكتب لك هذه الرسالة بعد تردد دام أكثر من عام كامل, وذلك لأنني كنت دائما أعتقد أن الإنسان الناضج يستطيع دائما التصرف واتخاذ القرار السليم في كل مايصادفه من مشاكل حياته, وأيضا لاعتقادي أن استشارة الآخرين في الشئون الشخصية قد لا يكون أحسن الطرق للوصول للقرار السليم.

فأنا إنسان أبلغ من العمر مايزيد قليلا علي الستين, حصلت علي قدر لا بأس به من التعليم العالي والدراسات الخاصة والمعرفة باللغات, كما أن لي دخلا لا بأس به, بالاضافة إلي بعض الأملاك بعضها آل إلي عن طريق الميراث وأنا متزوج منذ25 عاما ولي أبناء تزوجوا الآن جميعا وتمكنت من القيام بواجبي نحوهم علي وجه أسعدهم كما أسعد أصهاري.

ولم تشهد حياتي قبل الزواج أو بعده أي أحداث غير عادية وزوجتي امرأة رائعة بكل المقاييس من حيث الجمال والثروة والأسرة, وفوق هذا كله فإن لها شخصية تجعل كل من يعرفها يحبها حبا حقيقيا, فهي كثيرة الاهتمام بأحوال المحيطين بنا ولا تبخل علي أي إنسان بأية مساعدة تستطيع ان تقدمها له, وقد أصبحت بعد زواجي منها محور أسرتي الصغيرة وكذلك عائلتي, فأحبها كل أخوتي وكذلك أمي رحمها الله.

وعندما كبر أبنائي كانت زوجتي غالبا هي الدافع الحقيقي لزواجهم المبكر لأن جميع المحيطين بنا كانوا لايكفون عن امتداح زوجتي ورحب كثيرون منهم بمصاهرتها اعتمادا علي حسن تربيتها لأبنائها, ثم أحلت إلي المعاش من عملي وهنا بدأت متاعبي, فقد أصبحت زوجتي الآن محور حياة الأسر الجديدة لأبنائي .. وأزواج بناتي وزوجات الأبناء متعلقون بزوجتي إلي درجة كبيرة, وهي كما كانت دائما لاتبخل علي أحد بالأحاسيس أو المساعدة ويشعرها ذلك بالسعادة وقد زادتها السنون جمالا حتي لاتكاد تكون في مظهرها مقاربة تماما لبناتنا ولزوجتي أخت تصغرها بما يقرب من عشرين عاما.

وكانت هي الأخت المدللة لزوجتي وقد تزوجت أكثر من مرة فلم تطل أي زيجة لها أكثر من سنوات قليلة وهي جميلة كزوجتي لكن لها شخصية مختلفة تماما عنها فهي متقلبة وسريعة الانفعال وكانت زوجتي دائما ملاذها حين تحتاج إلي صدر حنون تستريح إليه في خضم المعارك والمشاكل الكثيرة التي واجهتها.

وقبل رحيل الأبناء إلي بيوتهم كانت علاقتي بها علاقة سطحية تماما لأنني لست اجتماعيا بنفس القدر الذي تتمتع به زوجتي, كما أنني أعترف أيضا أنني كنت أخشي من تأثيرها السييء علي بناتي لأن زيجاتها وطلاقها أكثر من مرة كان مثار جدل في أوساط العائلة.

رائج :   فتاة من قاع المدينة .. رسالة من بريد الجمعة

وقد لاحظت مرارا أنها تغبط زوجتي علي استقرار حياتها وعلي زواجها من رجل مثلي يقدر الحياة الزوجية وتمتدحني كثيرا وتقارن بيني وبين أزواجها حتي في حضوري, مما كان يتسبب في إحراجي وشعوري وربما أيضا شعور زوجتي بنوع غامض من الإحساس بأننا قد حصلنا علي أكثر من الجرعة المتاحة للجميع من السعادة والاستقرار.

ثم أحلت للمعاش وتزامن هذا مع وجود أخت زوجتي بصفة شبه دائمة في منزلنا وإقامتها أحيانا معنا خاصة بعد رحيل آخر الأبناء إلي بيت الزوجية كما كثر أيضا تغيب زوجتي عن منزلنا وقضاؤها أوقاتا متزايدة مع أبنائي وأصهاري, فكانت شقيقتها تقوم بدورها في رعايتي وبدا ذلك عاديا في أول الأمر, ولكنه مع مرور الوقت أصبحت هذه الرعاية تتزايد حتي أصبحت في واقع الأمر تقوم بشكل أو بآخر بالدور الذي ينبغي ان تقوم به زوجتي في حياتي,

ولم استطع أن أبعدها حتي عن بيتنا, إذ لم يكن هناك سبب استطيع أن أفسر به هذا التصرف أمام الآخرين ولكنني كنت قلقا لإحساسي بأن هذا الأمر يحمل في طياته نذيرا بعاصفة تهدد استقرار حياتي العائلية, ومع أنني لست ممن يؤمنون بالتشاؤم أو ينغمسون في الأوهام إلا أن المؤشرات كلها كانت تشير إلي أنه قد آن الأوان لدفع تكاليف حياتنا السابقة التي مرت كالنهر الهاديء المنساب في رقة والدخول في منطقة العواصف والأعاصير!! وكنت آمل في أن تكون زوجتي هي المنقذ من هذه العاصفة وأن تتنبه بغريزتها الي خطورة الوضع, لكنه مع مرور الوقت بدا وكأن زوجتي مستريحة إلي هذا الوضع بدلا من أن تشعر بالقلق من هذا الوجود شبه المتصل لأختها في حياتي, وقد أدي ذلك إلي نوع من خيبة الأمل لدي ولو بشكل خفي لأن زوجتي كانت سابقا تساورها بعض مظاهر الغيرة( الطبيعية) فيما يتعلق بعلاقاتي بغيرها من النساء سواء في محيط العمل أو الأسرة أو الأصدقاء.

والمشكلة هي أنني أشعر الآن بأنني أنزلق إلي علاقة مع أخت زوجتي تتجاوز ماهو مباح, ويؤلمني أنني وبالرغم من نفوري من كل مايمكن أن يؤدي الي اضطراب حياتي العائلية الهادئة.. أو يزعج أبنائي أو يحرجهم مع أصهارهم, فإنني أشعر بأن الوقوع في المحظور مع هذه السيدة وكأنه قدر لا فكاك منه.

رائج :   خطوبة أم أمومه ؟ … كان عليه أن يختار

ولقد اجهدت فكري في تقييم الموقف الذي أواجهه ففكرت في الابتعاد عن الأسرة كلها.. ولم أجد في ذلك حلا مرضيا لما سوف ينجم عنه من اضطراب في حياة أبنائي, وفكرت في أن أصارح زوجتي بما يؤرقني, لكني أجد في ذلك حرجا كبيرا, كما أري أنه سينغص حياتها التي تسعد بها الآن علي هذا النحو, حيث تتنقل كالفراشة الجميلة المحبوبة بين الآفاق الرحبة لأسر الأبناء, وأظل أنا وحيدا معرضا للسقوط في بئر الخطيئة.. فبماذا تشير علي ؟

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

الحل أوضح من أن يحتاج إلي المشورة فيه.
فأنت تواجه خطرا جادا يهدد حياتك الشخصية وصورتك العائلية المشرقة حتي الآن وينذرك بأوخم العواقب من الناحية الدينية والإنسانية, ولهذا فهو لا يحتمل أن يراعي معه أي اعتبار سوي اعتبار دفع الضرر قبل وقوعه.. وضرورة اتخاذ كل ماينبغي اتخاذه من خطوات للنجاة من الهاوية, فلا يجدي مثلا في مثل هذا الموقف التعلل بالحرج من مصارحة زوجتك بحاجتك الشديدة الي حضورها القوي في حياتك لكيلا تترك الساحة خالية لشقيقتها علي هذا النحو أيا كانت الثقة فيك أو فيها أو في الجميع..

كما لا يجدي أيضا التعلل بالإشفاق علي زوجتك من حرمانها من سعادتها بحياتها الحالية كفراشة متنقلة بين بيوت الأبناء والأصهار, حيث تلقي في كل منها الحب والإعزاز تجاوبا مع روحها السمحة المعطاءة..
فدفع الضرر مقدم علي جلب المنفعة كما تقول لنا القاعدة الشرعية الحكيمة.. و الضرر الذي يدفعه عنك وعن أسرتك لفت أنظار زوجتك إلي خطورة الوضع الحالي لا يقاس علي أي وجه من الوجوه بالمنفعة البسيطة التي تمثلها سعادة زوجتك بصحبة الأبناء في بيوتهم الصغيرة لفترات طويلة.. كما لا يقاس كذلك بالمنفعة قصيرة النظر الأخري التي تمثلها رعاية شقيقة زوجتك لك في غيابها.

ذلك أن استمرار غياب زوجتك عن حياتك الشخصية مع استمرار حضور شقيقتها المكثف فيها لن يكون له من عاقبة وبالنظر إلي ظروفها الشخصية وسجلها المضطرب سوي الاقتراب الحثيث يوما بعد يوم من الوقوع في الهاوية.. ولأن تحرم زوجتك من بعض متعتها في ممارسة الزيارات العائلية والاجتماعية الآن أفضل كثيرا من أن تتقاعس عن حماية زوجها وحياتها الزوجية الناجحة والمستقرة قبل فوات الأوان.

رائج :   القصاصة القديمة .. رسالة من بريد الجمعة

ولأن تستاء شقيقتها لاستشعارها عدم الترحيب بوجودها الدائم في حياة زوج شقيقتها أفضل كثيرا لها وللجميع من العواقب الوخيمة لاستمرار هذا الوضع الخاطيء.

وبالتالي فلا مفر من أن تلفت نظر زوجتك الي هذا الخطر الداهم وبغير الإساءة الي شقيقتها أو الإيحاء باستعدادها للتجاوب معك.., ولسوف تتفهم زوجتك عمق الخطر وتتنبه له حتي ولو كانت قد تأخرت كثيرا في ذلك, ولقد تكفي الإشارة في كثير من الأحيان إلي تنبيه قرون الاستشعار لدي الزوجة التي تعتمد علي عامل السن وتتوهم أن بلوغ زوجها سن الاحترام الجلال قد آذن بخمود نزعاته وغرائزه للأبد, فإن لم يغن التلميح عن التصريح.. فلا مفر من المكاشفة والمصارحة. بل إنه لا مفر قبل ذلك من اعتذارك أنت وعلي الفور عن عدم الاستمرار في قبول رعاية شقيقتها لك في غيابها.

ومؤكد أنك تستطيع أن تفعل ذلك دون صدام معها يحيل الأمر الي مشكلة عائلية, ويتطلب منك الايضاح والتفسير.. فالمرء يستطيع أن يشعر من يشاء بعدم ترحيبه بصحبته, بغير التصريح له بذلك وبغير أن يجرح مشاعره أو يصادمه.

ولا يعني ان تستعيد وجود زوجتك في حياتك مجافاة شقيقتها أو مقاطعتها أو الصدام معها.. وإنما يعني فقط التحصن بالزوجة ضد عوامل الإغراء واحتمالات الانزلاق والسقوط, وتجنب الاختلاء بمن قد تغريه بها ظروفها.. أو ظروفه.. أو الفرص المتاحة, كما لا يعني ذلك أيضا حرمان زوجتك من حقها في زيارة الأبناء والاستمتاع بمتع الحياة البريئة والعلاقات الاجتماعية المحترمة.. فاستعادتها لا تعني عزلتها عن الأبناء والأصهار ولا احتباسها في سجن حصين, وإنما تعني فقط ألا تطول فترات غيابها عنك وألا يحل محلها أحد في رعايتك وإدارة شئونك المنزلية في كل الأحوال, وأن تشاركها أنت بعض هذه الزيارات العائلية للأبناء والاجتماعية للأصهار, فتزداد دوائر الاهتمامات المشتركة بينكما وتطول أوقات الصحبة في البيت وخارجه.. وتزداد مناعتك ضد الضعف البشري ووساوس الإغراء.

فهل يصعب عليك تنفيذ ذلك ؟
أم هل تكرر الخطأ البشري الأزلي.. في رؤية الخطر الداهم يقترب والاكتفاء بالتخوف منه دون اتخاذ أية خطوة إيجابية لتفاديه أو الاحتماء بملجأ آمن منه ؟


لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

مقالات ذات صلة