أجمل رسائل بريد الجمعةقصص وعبرقضايا وأراء

القيود الثقيلة ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله) 

أنا سيدة أبلغ من العمر‏ 45‏ عاما‏..‏ زوجة وأم لابنة عمرها عشرون عاما نقيم في محافظة ساحلية‏..‏ وتعمل ابنتي بعد تخرجها في القاهرة بوظيفة مرموقة وتحصل علي مرتب عال والحمد لله‏..‏ وهي تسافر بين مدينتنا القاهرة لتذهب إلي عملها‏..‏

وفي احدي المرات وخلال عودتها من القاهرة إلي مدينتنا تعرفت علي شاب بالمصادفة يبلغ من العمر‏ 28‏ عاما‏,‏ ويعمل بوظيفة مرموقة ومركزه الاجتماعي جيد‏,‏ وما أن تعرفت عليه حتي بدأت الاتصالات بينهما علي المحمول وتوثقت العلاقة إلي أن فاتحها برغبته في الزواج منها وصرحتني هي بذلك وصارحت أباها ورحبنا بالفكرة‏,‏ ثم جاء هذا الشاب إلي مدينتنا وأتصل بزوجي وطلب منه يد ابنته ووافق زوجي مبدئيا وأشترط عليه فقط أن تقيم ابنتنا بعد الزواج في مدينتنا‏..‏ وألا تنتقل للاقامة معه في مقر عمله ولم يعترض الشاب علي ذلك وقال أنه سينقل نفسه في أقرب فرصة إلي محافظتنا‏.‏

وإلي هنا وكل شيء جميل وواعد بالسعادة والتوفيق‏,‏ وقد ابتهجنا بسعادة ابنتنا وتعلقها بهذا الشاب‏,‏ غير أن البهجة لم تطل سريعا فلقد صارحتنا ابنتي بعد أيام قليلة من اتصاله بأبيها بأن الشاب الذي أعجبت به وتريد الزواج منه متزوج وله من زوجته خمسة أبناء‏!‏ وقالت أن أبويه قد شجعاه علي الزواج وهو طالب بالثانوية العامة لأنه وحيدهما‏..‏ ويريدان أن يكون لهما منه أحفاد كثيرون يشعرونهما بأن لهما عزوة تعوضهما عن عدم انجاب أبناء غيره‏,‏ لكنه كما قالت ليس سعيدا في حياته‏..‏ وقد أحبها ووجد سعادته معها وأحبته هي أيضا وتعلقت به‏!

‏ وذهلت حين سمعت منها ذلك وتعجبت كيف تقبلت هذا الأمر الخطير ببساطة وترغب في الزواج منه‏.‏ وناقشتها في ذلك طويلا ونبهتها لما يحيط بها من أخطار في المستقبل‏..‏ ولم تفلح جهودي ولا جهود والدها وأعيتنا كل الحيل معها لتبصيرها بما ينتظرها من مشاكل ومصاعب‏..‏ وبأنها سوف تندم علي اختيارها بعد فوات الأوان‏.‏

رائج :   قصة رائعة .. رسالة تحت رغيف الخبز

إنني أخشي في قرارة نفسي أن تكون منساقة إلي هذا الارتباط بدافع الخوف من أن يفوتها قطار الزواج لأنها كانت قد خطبت قبل تخرجها لشاب لمدة‏3‏ أشهر‏,‏ وفسخت هي خطبتها له حين شعرت بماديته وطمعه في مالها‏,‏ كما أخشي أيضا أن يكون للفراغ العاطفي الذي كانت تعيشه بعد فسخ خطبتها أثر في اندفاعها نحو هذا الشاب حيث إنها لم تقترب من أحد علي هذا النحو قبل تعرفها بهذا الشاب‏,‏ إنها فتاة طيبة وشكلها مقبول للغاية ودمها خفيف ومعاملتها للآخرين طيبة وتحظي دائما بإعجاب من يتعاملون معها وسمعتها جيدة‏,‏ والفرص أمامها كثيرة فلماذا هذا الاختيار المر‏.‏

إنني ووالدها وشقيقها نعارض جميعنا زواجها من هذا الشاب ونقول لها أنه حرام أن تستولي علي رجل من زوجته وأبنائه الخمسة‏..‏ وهي تقول لنا إنها لم تكن تعرف حين تعرفت به أنه متزوج وله أبناء‏,‏ كما أنه كان سيترك زوجته سواء تعرف بها أو لم يعرفها وكان سيترك أطفاله لأبويه لكي يرعيانهم لأنهما يريدان العزوة وقد زوجاه من أجل هذا الغرض‏.‏

كما إنها تريد كذلك أن تتوقف عن العمل وتتحول إلي ربة بيت وتقول إن فتاها موافق علي هذا‏..‏ وذلك بعد أن تعلمت وأنفقنا الكثير علي دراستها حتي تخرجت وعملت‏,‏ فلماذا لا تستمر في عملها ومستقبلها فيه كبير‏,‏ وتتزوج شابا بسيطا وتحيا معه في أمان؟ وماذا أفعل معها يا سيدي؟

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

الذريعة الأبدية لكل من تسوغ لنفسها الارتباط برجل متزوج وله أبناء واغتصابه منهم‏,‏ هي أنه لم يكن سعيدا في حياته الزوجية لأسباب تتعلق بزوجته الأولي أو ظروف زواجه منها‏..‏ وإنه كان سينفصل عنها إن آجلا أو عاجلا وسواء تعرف بفارسة الحب الجديدة أو لم يلتق بها من الأصل‏!‏ وبالتالي فإنها‏,‏ أي الفارسة‏,‏ لم تكن مسئولة عن أنهيار الحياة الزوجية السابقة لمن ارتبطت به ولا عن انصراف رجلها عن أبنائه وزوجته الأولي إليها‏.‏

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || الخلود

وكل ذلك ليس سوي من قبيل خداع النفس للتخلص من الشعور بالذنب تجاه الزوجة الأولي والأبناء‏..‏ أو من قبيل الحيلة النفسية الدفاعية التي تلجأ إليها لا اراديا كل من تجد نفسها في هذا الموقف تهربا من الاعتراف لنفسها باغتصابها ما لم يكن يحق لها أغتصابه وبإسهامها الخطير في هدم سعادة الآخرين واشقائهم‏,‏ غير أنها حيلة فاسدة وشديدة التهافت ولا تصمد للنقاش الموضوعي المتجرد من هوي النفس وأغراضها‏,‏ إذ يكفي لدحضها أن توجه ابنتك‏,‏ وكل فتاة تواجه نفس هذا الموقف‏,‏ هذا السؤال البسيط إلي نفسها وتلتمس له الأاابة الصادقة‏:‏

نعم‏..‏ كان هذا الشاب تعيسا بزواجه وأبنائه الخمسة وتزوج ارضاء لأبويه وكان سيهجر زوجته وأبناءه من قبل أن يلتقي بابنتك فلماذا إذن لم يكن قد حسم أمره وصح عزمه علي تنفيذ قراره هذا قبل أن تظهر هي في أفق حياته‏..‏ فإذا التقت به بعد ذلك لم يكن لها بحق أي دور في هدم هذه الأسرة الصغيرة ولا في حرمان هؤلاء الأطفال الصغار من أبيهم؟ ولماذا لم يجيء هذا الحسم إلا بعد أن تعرف بها وتبادل معها الحب وتطلع للزواج منها؟‏..‏

وكيف لا تكون مسئولة بشكل أو بآخر عن تعاسة زوجته الأولي وشقاء أبنائه الخمسة الذين سيحرمون من أبيهم وهو الذي لم يحسم أمره بشأن الانصراف عنهم إلا بعد أن أرتبط بها ومن أجلها؟

إن الإنسان قد تراوده الرغبة في تغيير حياته كثيرا وقد تعابثه أحلام اليقظة طويلا بأن يختار لنفسه طريقا غير الطريق الذي يمضي فيه أو اختارته له الأقدار دون أن يجرؤ علي التغيير بالفعل اشفاقا علي من يعتمدون عليه في حياتهم من تبعاته أو اشفاقا علي النفس من تحمل جريرة إيلام الآخرين واشقاء حياتهم‏..‏ أو اعلاء لسعادة الأبناء علي سعادته الشخصية‏..‏ ولقد يمضي العمر كله وهذه الأفكار تراوده من حين لآخر أو كلما ضاقت نفسه فلا تخرج عن اطار أحلام اليقظة والأمنيات المستحيلة‏..‏ إلي أن يجد المثير الخارجي الذي يحسم تردده ويغريه بحسم أمره ويشجعه نفسيا علي الاقدام علي الخطوة المصيرية فكيف يعفي هذا المثير الخارجي نفسه إذن من المسئولية عن مثل هذا القرار الخطير ولو لم يكن قد ظهر في الأفق من الأصل لما حسم الآخر أمره وأقدم علي ما تردد طويلا من قبل أمامه؟

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || يوم من عمري

إنها حقيقة واضحة وضوح الشمس ولا جدوي من خداع النفس عنها‏..‏ وهي أن ابنتك هي هذا المثير الخارجي في هذه القصة المتكررة ولسوف تكون‏,‏ وسواء أدركت ذلك أم تغافلت عنه شريكة لهذا الشاب في إشقاء زوجة بائسة وحرمان خمسة أطفال صغار من الحياة الآمنة بين أبويهم‏.‏
فلماذا تقبل لنفسها أن تبدأ حياتها الزوجية بمثل هذه الذيول الطويلة من المشاكل الانسانية والاتهامات الصامتة لها بالأنانية واغتصاب رجل متزوج من زوجته حتي ولو كان هو الساعي إليها‏..‏ وحرمان خمسة أطفال صغار من أبيهم؟

إن الأبناء روابط أبدية لا انقسام لها‏,‏ وقيود أخلاقية ثقيلة يردها أصحاب الضمائر الحية علي نزواتهم وأهوائهم وجموحهم ونزوعهم الغريزي إلي طلب السعادة الشخصية علي حساب الواجبات الإنسانية والأخلاقية فكيف ترضي هي لنفسها بأن تتزوج شابا يبدأ حياته الزوجية معها وهو يجر في قدميه هذه القيود الثقيلة‏,‏ كما كان السجناء في العصور الوسطي يجرون أثقالهم معهم أينما تحركوا‏..‏ وكيف تتصور أنه سيخلو لها وجه زوجها وهو مكبل بهذه الأغلال الأبدية التي لن ينجح أبدا‏,‏ حتي لو توهم ذلك‏,‏ في الانصراف عنها بكليته إليها‏..‏

إن عمر الهوي الجامح قصير مهما طال‏..‏ وصغر سنها الآن يصور لها أنها تستطيع التجاوز عن هذه الأغلال والقيود‏,‏ لكن تجربة الحياة كثيرا ما تؤكد لنا عكس ذلك‏..‏ وكثيرا ما تثبت لنا أن نطح الصخور لا يفتح فيها الثغرات وإنما يدمي رؤوس ناطحيها‏..‏ فلماذا تختار لنفسها كل هذا العناء في الحاضر والمستقبل‏..‏ وفي يدها أن تختار لنفسها حياة طبيعية بلا مشاكل ولا أعباء؟

مقالات ذات صلة