أجمل رسائل بريد الجمعة

اللقاء الأول ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

هل تذكرني ؟ إنني أكتب إليك لأن لك دورا هاما في حياتي بالرغم من أنك لم ترني ولا تعرفني .. ولأبدأ من البداية لكي تتذكر قصتي فلقد كتبت لك منذ سنوات أروي لك قصة حياتي وقلت لك أني تزوجت في سن صغيرة من أحد أقارب أبي .. وأن زوجي كان يكبرني بـ 16 سنة لكنه كان رجلا كريما ومهذبا وعلى خلق وكان في ذلك الوقت معارا لدولة افريقية فعشت معه في الغربة ست سنوات ولم أنجب ..

وعرفت أن الله قد شاء له ألا ينجب لأن معظم أخوته لم ينجبوا كذلك فآلمني أن أتصور أني سأقضي حياتي كلها بلا أطفال, لكن كرم أخلاقه وطيبته كانا يخففان عني مرارة هذا الإحساس, ثم انتهت إعارته وعدت معه إلى بلدته وعشت بجوار أهله فتعرضت لآلام نفسية كبيرة لأن أسرته تصورت ظلما أنني المسئولة عن عدم الإنجاب , وأنني حملت وأجهضت نفسي وعانيت متاعب كثيرة حتى ضاقت بي الحياة فعدت من بلدته إلى أهلي ..

وطلبت الطلاق .. وانفصلنا بهدوء بعد زواج دام 8 سنوات لم أشك خلالها من زوجي .. لكن أسرته سامحهم الله حولوا حياتي إلى جحيم .
وواجهت الحياة كمطلقة وعمري 26 سنة .. وتحملت نظرات الآخرين إلى المطلقة وظلمهم لها . وحاولت أن أنشغل بالعمل .. وأن أعيش حياتي في هدوء وسلام عسى أن يعوضني الله خيرا في أيامي القادمة .. ثم مضت شهور وأراد الله أن أتزوج شابا يعمل بإحدى الدول العربية, وتم الزواج بسرعة غريبة لأني تصورت أنه طوق النجاة الذي سينتشلني من عذابي بوضعي كمطلقة وأقبلت على حياتي مع زوجي الثاني .. وكلي رغبة في ألا أفشل مرة أخرى ..

فإذا بي أكتشف أن زوجي الثاني – سامحه الله – متزوج وله أولاد يقيمون في قرية بعيدة بالوجه القبلي .. وأنه مدمن للسموم البيضاء وينفق معظم راتبه الكبير على إدمانه .. وإذا بي أعيش في محنة جديدة لم أتصور أن تدخرها لي الأيام بعد محنة انفصالي عن زوجي الأول .. وواجهت الاختيار القاسي مرة أخرى بين أن أضاعف من عذابي بحمل لقب مطلقة للمرة الثانية وبين أن أتحمل ما لا تتحمله زوجة من معاشرة زوج , رأيت في أيامي الأولى معه من العذاب ما يكفيني طوال حياتي ..

وبغير تردد طويل اخترت الخيار القاسي .. وتوسلت إليه أن يطلقني لأني لا أصلح له وقبلت يده لكي يسرحني بإحسان .. فطلقني واكتشفت في ذهولي أن زواجي به لم يدم سوى شهرا واحد.. وعدت لحياتي وقد تضاعفت همومي فها أنا مطلقة للمرة الثانية .. وقد استصعب أن أجد من يرضى بمطلقة لمرة واحدة فكيف يكون الحال مع الطلقة لمرتين

وبكيت حتى جفت دموعي وسلمت أمري لله فإذا بي اكتشف أني حامل من زوجي الثاني .. يا ربي .. لقد تمنيت طفلا من زوجي الأول فلم تشأ إرادة الله .. فكيف أحصل عليه من زوجي الثاني الذي تمنيت لو لم أكن عرفته أو التقيت به كأنما أراد الله أن يقول لي بالتجربة القاسية أن الحياة بدون أطفال مع زوج طيب أكرم من الحياة بأطفال مع زوج كزوجي الثاني وفكرت طويلا ماذا أفعل مع هذا الجنين الذي يتحرك في أحشائي والذي سيربطني إلى الأبد بهذا الزوج الجلاد , حتى لو لم أعد إليه , وكيف ستكون صلتي به وبيننا طفل من حقه أن يراه .. وأن يضمه إليه حين يكبر .. وسوف أضطر للاتصال به كي أراه ..

وغرقت في أحزاني وفي قمة حيرتي توصلت إلى أقسى قرار يمكن أن تتخذه أم كانت تتلهف مثلي على طفل لتثبت به لنفسها وللناس أنها قادرة على الإنجاب .. وأجهضت نفسي في الشهر الثالث .. ودفعت ثمن جريمتي في حق طفلي غاليا فقد عاقبني الله عليها عقابا قاسيا فرقدت طريحة الفراش شهورا طويلة في نزيف شبه دائم وآلام مستمرة بسبب خطأ في عملية الإجهاض ومضت شهور ثم أذن الله بالشفاء بعد أن استوفى عقابي ..

وخرجت إلى الحياة مرة أخرى, وبحثت عن عمل لأشغل به نفسي .. ومضت ثلاث سنوات والحسرة لا تفارقني على هذا الزواج الثاني الفاشل ولا يخفف منها سوى تذكري من حين إلى آخر أنني حملت خلالها وأني صالحة للإنجاب وخلال ملاطمتي للحياة علمت أن زوجي الأول قد تزوج منذ عدة سنوات ولم ينجب أيضا فتمنيت له السعادة في حياته الجديدة , ومضت الشهور والسنوات بغير أن يطرق بابي أحد ..

وكتبت إليك في هذه الفترة أشكو إليك وحدتي وظلم الظروف لي .. ومعاناتي مع لقب المطلقة للمرة الثانية فرددت علي بكلمات طيبة تنصحني بالصبر والإيمان بالله وشغل حياتي بالعمل وبالالتزام الخلقي , والتمسك بالأمل دائما , وتقول لي أن المساء يأتي دائما حاملا معه مصباحه وسوف يأتي مصباحك ليضيء حياتك ويعوضك عما فات حين يأذن الله .. فقلت لنفسي أنك أكبر مني وتعرف الحياة أكثر مما أعرفها ولابد أنك ترى ما لا أراه ..فعملت بمشورتك .. وشغلت نفسي بالعمل والصلاة وتمسكت بالأمل .. لكن الشهور مضت وطالت معاناتي مستمرة فكتبت إليك مرة أخرى فجاءتني كلماتك الطيبة تستحثني مرة أخرى على الصبر وتقول لي أن الله لن يضيعني مادمت أرعى حدوده وأثق به , وأن كل آت قريب . 

فهدأت خواطري .. وحاولت أن أحتفظ بابتسامتي في وجه الحياة في انتظار حتى كنت في عملي ذات يوم , فجاءني شقيقي الصغير يقول لي أن في بيتنا زائر قادم من البلد العربي الذي تعمل به أختي وأنه يطلب أن يراني .. فخمنت أنه يحمل لي رسالة أو هدايا منها ..واستمهلت شقيقي بعض الوقت حتى أنهي عملي ثم عدت معه .. فإذا بهذا الزائر شاب رأيته منذ سنوات طويلة حين زرت مع أبي بلدته وكان أيامها طالبا بالمرحلة الثانوية وذكرني بنفسه وتذكرته .. وذكرني بأشياء كثيرة .. وقال لي أنه أحبني في صباه حين رآني في تلك الزيارة .. لكنه لم يفكر في التقدم لي لأنه كان طالبا

.. ولأني كنت وقتها أستعد للزواج من زوج جاهز هو زوجي الأول .. وروى لي أنه أنهى دراسته وتخرج وعمل بهذه الدولة العربية , وأنني طوال هذه السنوات لم أفارق خياله لكن الظروف باعدت بيننا .. وقد علم مؤخرا بطلاقي الأول والثاني معا .. ورأى الظروف ملائمة .. لهذا فهو يطلب يدي لأنه يحبني منذ لقائنا الأول قبل 14 سنة ! .. يا ربي .. لقد جاء ” الآتي ” الذي بشرتني به وطالبتني بانتظاره في صبر وإيمان والتزام .

لقد كنت قد كرهت الزواج .. لكن هذا الشاب أعاد إلي رغبتي فيه وتكررت زياراته لنا .. وحين سألني عن رأيي لم أتردد لحظة .. وقلت له أني موافقة ففوجئت به يخرج من حقيبته ” الشبكة ” التي أحضرها معه من الخارج ويقدمها لي ثم يقدم لي بعد أيام مهرا ..وكالحلم الجميل تزوجنا وسافر بعد الزواج إلى عمله .. وخلال ستة شهور فقط كان قد اشترى لنا شقة في مدينتي وسجلها باسمي .. وأثثناها أثاثا جميلا وأرسل لي الأجهزة من مقر عمله , وجاء في أجازة وأمضى معي شهرين في شقتنا الجديدة مضيا كأنفاس الربيع الجميل وعاد إلى عمله وقد تعمد أن يختار شقتنا قريبة من بيت أسرتي لكي يؤنس أهلي وحدتي في غيابه .. وأبي وإخوتي لا يدعونني في حاجة إلى شيء فهم إلى جواري دائما وزوجي يحادثني تليفونيا كل أسبوع ويبثني شوقه وحبه وأبثه لهفتي وهيامي …

أما مسك الختام الذي أقله لك لتسعد به معي فهو أني حامل في 3 شهور وقد أكرمني الله بالحمل بعد أن علم زوجي بشائعة أني لا أنجب .. فأعزني الله بالحمل .. لينفيها عني ولأعرف منه أنه قد غفر لي ما كان من ذنبي حين أجهضت نفسي , وأنا الآن في الثالثة والثلاثين من عمري وزوجي في السادسة والثلاثين وأتحمل فراق زوجي إلى أن أنجب ثم سأسافر إليه .. لكي يجتمع شملنا ونعيش حياتنا معا إلى ما شاء الله .

وقد أردت أن أنقل إليك سعادتي .. كما أرهقتك من قبل بخطاباتي وهمومي لأشكرك على كلماتك التي بثت الصبر في نفسي .. لأقول لكل أخواتي من المطلقات اللاتي يعانين ما عانيته من قبل لا تدعن اليأس يسيطر عليكن فمساء الحياة – كما تقول – يأتي حاملا معه مصباحه , وكل آت قريب .. وبالعودة إلى الله والصلاة والصبر والتمسك بالأمل تتحقق كل الآمال إن شاء الله .. وشكرا لك .

رائج :   الطيف القديم ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

بل الشكر لك يا سيدتي أن حرصت على أن تشركيني وقراء هذا الباب معك في سعادتك وفي دروس تجربتك الإنسانية , إن معنى هذه العبارة المعروفة عن المساء والصباح .. أنه حين تغيب الشمس فإنها لا تسلمنا أبدا إلى سديم الظلام .. وإنما يبزغ دائما وبعد قليل مصباح الليل وهو القمر ..لهذا فإن الظلام يأتي حاملا معه الأمل في غد جديد .. وحياة أفضل .. وسعادة ننتظرها ونعيش على الأمل فيها ,

أما أشد ساعات الظلمة كما تعرفين فهي اللحظات التي تسبق بزوغ الفجر .. وهكذا لا ينبغي أن يغيب عنا دائما الأمل في أن نتخفف ذات يوم من آلامنا .. وإلا استسلمنا لليأس .. واليأس هو البداية الحقيقية للضياع ولكل الشرور والآثام .. واليأس من رحمة الله في الفكر الديني من أشد الكبائر لأنه لا يتردى في الخطيئة ولا يقدم على الانتحار المادي أو الأدبي من بقيت في نفسه ذرة أمل في الله وفي الحياة الشريفة الكريمة لهذا قرن النص القرآني اليأس بالكفر وقال ” إنه ليئوس كفور ” .

وأنت يا سيدتي لم تفقدي أملك وصبرك والتزامك الخلقي والديني .. فكان حقا على الحياة أن تهديك جائزتك .. لأنه مرة أخرى كما تقول الحكمة القديمة من يفعل ما ينبغي عليه أن يفعله ينل دائما ما يأمله ..فشكرا لك وتمنيات طيبة لك بالسعادة والتوفيق .

مقالات ذات صلة