فن الادارة ..قضايا وأراءمن هنا وهناك

تصفية الشركة المصرية للملاحة || أسئلة حول إدارة القطاع العام في مصر

– في بداية الشهر الحالي قررت الجمعية العمومية للشركة المصرية للملاحة وهي أحد شركات القطاع العام تصفية الشركة بسبب تراكم ديونها.

– تصفية الشركة هتؤدي لتشريد حوالي 393 عامل، ونهاية واحدة من أقدم شركات الملاحة تاريخها يمتد لأكتر من 140 سنة.

– محطات كثيرة كانت موجودة قبل قرار تصفية الشركة، وفرص كثيرة لإعادة الهيكلة ودا اللي خلي هيثم الحريري عضو مجلس النواب يقدم أكثر من سؤال واستجواب وطلب إحاطة لوزير قطاع الأعمال العام، ولرئيس الوزراء بشأن قرار التصفية لكن بلا جدوى.

– النهاردة هنشوف مع بعض إيه الفرص اللي كانت متاحة لعدم تصفية الشركة؟ وايه اللي وصلنا للمرحلة دي؟ وايه اللي ممكن نشوفه في ملف إدارة شركات قطاع الأعمال العام في مصر؟


إيه هوا تاريخ الشركة المصرية للملاحة؟

– الشركة المصرية للملاحة هي إمتداد لشركة بواخر البوستة الخديوية التى أنشأها الخديوى إسماعيل عام 1873، بعد الاحتلال الإنجليزي تم بيع الشركة للإنجليز، وبعدها اشتراها أحمد عبود باشا، وفي 1961 صدر قرار تأميم الشركة عشان تنضم لشركات وطنية أخري كان عملها طلعت حرب لتكون الشركة المصرية للملاحة.

– في وقت عبدالناصر زاد أسطول الشركة عشان يبقي 90 سفينة، وكان للشركة دور هام في توريد القطن واستيراد القمح من أمريكا، وفي قصة شهيرة لأحد سفن الشركة اللي هي سفينة كليوباترا وهو أنه بعد العدوان الثلاثي كانت السفينة متجهة لنيويورك بحمولة قطن مصري ومن المفترض أنه ترجع بحمولة قمح، لكن العمال اليهود في ميناء نيويورك رفضوا تحميل القمح، وده اللي خلي عبدالناصر يطلع في خطاب شهير يهدد بمقاطعة عمال الموانئ العرب للسفن الأمريكية، وفعلا تم تحميل السفينة في النهاية.

– الشركة كانت أهم شركة ملاحية تمتلكها الدولة المصرية وكان ليها دور مهم في محطات من تاريخ مصر زي إعادة المصريين من العراق وقت حرب الخليج.


ازاي وصلنا للمرحلة دي؟

– في وقت برنامج الخصخصة في التسعينات اتدهور حال الشركة زي كل شركات القطاع العام اللي كان مقصود أنها تخسر عشان تتباع، لكن الشركة استمرت، ولكن بوضع سيء نتيجة تهالك الأسطول وعدم ضخ استثمارات كافية في عمليات الصيانة والإصلاح.

– سنة 1999 المصرية للملاحة اتقسمت ملكيتها بالبيع على 3 حصص، 90% لشركة الوطنية للملاحة البحرية، و 8% للشركة القابضة للنقل البحري، و 2% للإسكندرية للحاويات، الشركة القابضة تحديداً خدت أصول المصرية للملاحة من خلال تقييم الشركة بقيمتها الدفترية مش قيمتها السوقية (القيمة الدفترية يعني قيمة السهم وقت إنشاء الشركة، إنما القيمة السوقية يعني سعر السهم وقت التقييم مضروب في جميع الأسهم) وده خسر الشركة كثير، واستمر التدهور وسوء الإدارة ده بعد كدا لغاية تعثر الشركة طول السنوات اللي فاتت.

– من سنة 2000 ولحد النهاردة لم يتم تحديث أسطول الشركة، رغم أنه متوسط عمر السفينة في النقل الملاحي حوالي 5 سنوات بعدها لازم يتم تجديدها عشان تعرف تشتغل بكامل طاقتها.

– الشركة كانت بتمتلك في التسعينات أسطول فيه 70 سفينة، وصلوا في 2002 ل 18 سفينة، وفي 2018 بقوا 7 سفن منهم 5 لا يصلحوا للإبحار.

– تم بيع أسطول الشركة تدريجيا كخردة، أو كسفن لشركات أخرى منافسة بحجة الإحلال والتجديد وده اللي خلى الشركة مش قادرة تنافس مع غيرها من الشركات، وده مش كلامنا ده كلام اللواء نبيل لطفي الرئيس السابق للشركة واللي قاله في 2015.

– بالإضافة للإهمال المتعمد ده كان في فساد مباشر، مثلا في سنة 2013 نشرت جريدة الوطن تحقيق عن فساد في الشركة، ملخص القصة أنه في أشخاص كانوا مستفيدين بتحميل سفن الشركة ضعف الحمولة الرسمية عشان ياخدوا الحمولة الزايدة واللي قدر تمنها وقتها ب 60 ألف دولار أمريكي، بالإضافة لمخالفات مالية وإهدار للمال العام.

– بالإضافة لده في أبريل 2018 اتعطلت أحد سفن الشركة في ميناء بور سودان، وطلبت إدارة المينا سحب السفينة، لكن الشركة معملتش ده غير في أكتوبر 2019 – يعني بعد سنة ونص – ودا كلف الشركة 500 ألف دولار غرامة تأخير.

– الغريب إن كان في مجلس إدارة جديدة برئاسة “اللواء نبيل لطفي” من 2015 – 2016 والراجل ده تحديداً ليه تصريحات وحوارات بيتكلم فيها عن مسلسل تدمير الشركة وبيقدم استغاثات للحكومة وللرئيس السيسي، وبيتكلم عن فساد الإدارات اللي قبليه وعمليات بيع السفن وعدم إصلاحها، وكل ده موثق بالأرقام والمستندات، ومع ذلك محصلش أي استجابة ليه من أي نوع، وعلى الرغم من محاولاته لتجديد بعض السفن قدم استقالته خلال سنة بسبب تراكم الديون وعدم استجابة الحكومة أو أي جهة رقابية للوضع داخل الشركة!

– محصلتش أي مسائلة رسمية في الكلام المحترم اللي قاله اللواء نبيل، ولا تم التحقيق مع مجالس الإدارات اللي فاتت ولا تم محاسبة أي حد على الإهدار والتخريب وسوء الإدارة في السنين دي كلها لحد النهاردة!


رائج :   “بناء على تعليمات السيد الرئيس” و تحيا مصر 3 مرات

ايه الوضع الحالي للشركة؟

– خسائر الشركة وصلت قبل قرار التصفية لحوالي مليار جنيه، منهم خسائر 883 مليون جنيه خسائر مرحلة من الفترة (2005 -2017 ). رغم الخسائر دي إلا أنه كان ممكن إنقاذ الشركة بضخ استثمارات جديدة فيها، ده برضه مش كلامنا ده كلام دراسة جدوى عملتها المجموعة الاقتصادية للاستشارات المالية بناء على تكليف من الحكومة في ابريل 2015.

– دراسة الجدوى دي أوصت برفض مقترح التصفية، والحل كان أنه الشركة تبيع عدد من السفن الخردة اللي عندها وتشتري سفينتين جداد، ومع الوقت يمكن تسديد الديون دي.

– بناء على الدراسة دي طلع 3 قرارات من الجمعية العمومية للشركة بخصوص إعادة هيكلة الشركة، القرارات دي صدرت في أكتوبر 2017، و26 أبريل 2018، و3 مارس 2019.

– ده اللي خلى النائب هيثم الحريري يقدم أسئلة وطلبات إحاطة عن أسباب عدم تنفيذ مجلس إدارة الشركة قرارات الجمعية العمومية ودراسة الجدوى المعتمدة، ولا دي مقدمات للبيع والتصفية؟!

– وزير قطاع الأعمال هشام توفيق اتخذ قرار بالتصفية وبدأ يبلغ مجلس إدارة الشركة والنقابة العامة للعمال بالقرار ده لأنه مش شايف طريقة للإصلاح، في حين إنه الاجتماع الأخير للجمعية العمومية للشركة واللي حضره الوزير كان المفروض هيناقش ليه القرارات السابقة والحلول المطروحة متنفذتش لحد انهردة ووصلت الشركة لانهيار أكبر في الديون.

– الوزير هشام توفيق اتخذ قرار بتكليف مسؤولية تصفية الشركة لرئيس مجلس الإدارة “اللواء سيد بدر”، رغم انه نفس الشخص المسؤول عن عدم تنفيذ خطوات الإصلاح في السنين اللي فاتت، وكمان صادر ضده حكم حبس واجب النفاذ لمدة 3 سنوات حسب المهندس حسن غنيم، عضو مجلس إدارة الشركة!


رائج :   اجندات سياسية…لماذا يحاولون فرض المثلية علينا؟

ايه اللي ممكن نفهمه من كل القصة دي؟

– قصة المصرية للملاحة، وقبلها القومية للأسمنت، وحتى شركة الحديد والصلب المرشحة انها تتصفي بتقول كثير عن ملف إدارة شركات القطاع العام في مصر والممتد عبر سنوات طويلة من عهد مبارك مش بالفترة الأخيرة بس.

– حجم الفساد والترهل الإداري في الملف ده كبير جدا، وأولي بالحكومة أنها تعالج أوجه القصور دي بدل ما تاخد الطريق الأسهل وتصفي الشركة.

– أو اختيار تاني لو فعلا الخبراء أكدوا الوصول لمرحلة اللاعودة ممكن يكون فيه حلول زي إشهار إفلاس الشركة وتصفيتها، والبدء فورا بفتح شركة جديدة بنفس النشاط تورث العمالة لكن بدون ديون وتبدأ من الأول وتتجنب أخطاء اللي فات بعد مراجعة وتحقيق حقيقي في أسباب تراكم الفشل.

رائج :   الشئ الناقص .. رسالة من بريد الجمعة

– ده يرجعنا لسؤال هل الحكومة الحالية عندها فعلا استراتيجية متكاملة لمواجهة الفساد والإصلاح الاقتصادي؟

– لو احنا فعلا مهتمين أننا ندير أصول الدولة بشكل جيد، ومهتمين بأننا نعمل صندوق سيادي لإدارة الأصول غير المستغلة كان لازم الصندوق ده يكون على رأس أولوياته انقاذ الشركات الاستراتيجية اللي بتملكها، الدولة عن طريق ضخ استثمارات فيها سواء بشكل منفرد أو بالشراكة مع صناديق ومستثمرين من برة، وعمل تقييم مالي واقتصادي حقيقي لأصول الشركات دي ولقيمتها الرأسمالية وفرص إصلاحها،

لكن للأسف الصندوق السيادي مهتم بالاستيلاء على قطاع الألبان من صغار المزارعين أو التفكير في بيع مباني الوزارات القديمة بعد الانتقال للعاصمة الإدارية، لأنه البيع مريح ونتايجه سريعة مش زي الإصلاح والمتابعة والتخطيط الاقتصادي السليم.

– سوء إدارة القطاع العام والفساد اللي فيه في جوانب سياسية مهمة، بداية من غياب الدور الرقابي للبرلمان اللي مهتمش رئيسه ولا أعضاؤه بالأسئلة والدور الرقابي اللي حاول يعمله نائب زي هيثم الحريري لاستجواب ومسائلة المسؤولين عن وضع الشركة قدام البرلمان، بالإضافة للانتخابات النقابية غير النزيهة اللي بتتم في الشركات، واللي مبتفرزش لجان نقابية أو جمعيات عمومية مهمومة فعلاً بمصالح الشركة والعمال.

– كل ده يرجعنا لسؤال الديمقراطية في مصر، وارتباط السؤال ده بحياتنا اليومية وازاي لو فيه ديمقراطية في البلد كان بقى للمواطنين المصريين رأي أكبر في إدارة المال العام، وكان هيبقي عندنا مسئولين حكومة بيخافوا من العقاب الانتخابي لو أخطأوا أو فسدوا وتغاضوا عن الفساد، وكان عندنا برلمان بيحاسب وبيراقب وبيشرع بجد، وكان عندنا إعلام بيهتم بنقل المشاكل ووقائع الفساد والبحث وراها، مش دوره بس نقل البيانات الرسمية وتغطية الحفلات والمناسبات.

مقالات ذات صلة