قصص وعبر

من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || لعبة العمر

خطأ يا (حسن) بك .. هذا غير جائز أبدًا ..
انعقد حاجبا (حسن) في غضب، عندما صكت هذه العبارة مسامعه، وقال في حدة:
ـ ولماذا لا يجوز هذا يا شيخ (رفعت)؟ .. ألم نفعل هذا مرتين من قبل؟
أومأ الشيخ (رفعت)، مأذون المنطقة برأسه إيحابًا، وقال:

ـ بلى يا (حسن) بك .. لقد طلقت زوجتك مرتين، وزوجتكما أنا بنفسي بعد كل مرة منهما، ولكن الطلاق الثالث طلاق بائن نهائي، لا يجوز بعده أن تردها إلى عصمتك.
صاح (حسن) في عصبية:
ـ كيف لا يجوز هذا؟ .. إنها زوجتي.
أجابه الشيخ (رفعت) في حزم:
ـ شرع الله (سبحانه وتعالى) يقول أن هذا غير جائز، وكان عليك أن تنتبه لهذا، فلا تتسرع بتطليق زوجتك ثلاث مرات.

راح (حسن) يحرك رأسه في توتر، وهو يقول:
ـ لابد من وجود حل يا شيخ (رفعت) .. إنك لا ترضى لي أن أخسر كفاح عمري كل .. أنت تعلم أن كل هذه الأموال والمصانع ملك لزوجتي، وطلاقنا يعني أن أخسر كل هذا.
أجابه الشيخ في صرامة:

ـ كان ينبغي أن تنتبه.. قل لي بالله عليك: لماذا تطلق زوجتك، مادمت تحتاج إلى أموالها هكذا؟
قال (حسن) في عصبية:
ـ كانت وسيلة لإخضاعها، فهي غارقة في حبي كما تعلم.
قال الشيخ (رفعت) في غضب:
ـ الزواج والطلاق ليسا لعبة يا سيد (حسن).
لوح (حسن) بكفه، قائلًا:
ـ أعلم.. أعلم ، ولكن لابد من وجود حل.
مط الشيخ (رفعت) شفتيه، وقال:
ـ لا يوجد سوى ..

هتف (حسن) في لهفة:
ـ سوى ماذا؟
هز الشيخ (رفعت) كتفيه، وقال:
ـ سوى أن تتزوج زوجتك من شخص آخر، ثم يطلقها، فتتزوجها أنت.
هتف (حسن) في ارتياح:
ـ إنه أمر بسيط، فلنستأجر من يتزوجها و ..
قاطعه الشيخ (رفعت) في غضب:
ـ لا .. هذا لا يصح .. الشرع لا يعترف بمثل هذا الزواج، فالشرط في الزواج هو نية الدوام عند عقد القران..
مال (حسن) نحوه، يسأله في ضراعة:

ـ ألا يمكننا تجاوز هذه النقطة؟
هب الشيخ (رفعت) واقفًا، وهو يهتف:
ـ أعوذ بالله من غضب الله !! هل تحاول رشوة السماء يا سيد (حسن) .. لا .. وألف لا .. الشرع ليس لعبة تتحايل عليها يا سيد (حسن)، لابد أن يكون الزواج سليمًا، يسعى الزوج فيه للاستمرار والدوام، وإلا كانت إعادتك زوجتك إلى عصمتك مجرد زما واندفع مغادرًا المكان، وهو يردد في غضب:
ـ أعوذ بالله !! أعوذ بالله !!

عقد (حسن) حاجبيه في توتر، وهو يحدث نفسه، قائلًا:
ـ ماذا يعني هذا؟ .. هل فقدت كل تلك الأموال بسبب طلاق واحد؟ .. مستحيل .. لن أخسر كل هذا بهذه البساطة .. يا إلهي.. لو أن قلتلها يحل المشكلة لقتلتها، ولكن هذا سيعني أن يرث أقاربها الثروة كلها، أما لو ماتت وهي زوجتي، فسأرث أنا معظم ثروتها تقريبًا.
أخذ يقلب كل الحلول في رأسه، وأعصابه تلتهب في شدة، حتى سمع صوتًا ضعيفًا يقول:
ـ سيدي.

انتفض في مقعده، ورفع وجهه إلى فراش مكتبه، وصاح به في غضب:
ـ ماذا تريد؟
رأى الدموع تملأ عينيّ الفراش الكهل، وهو يجيبه:
ـ ماذا تريد أنت يا سيدي/ .. لقد سمعت جرس الاستدعاء.
تطلع (حسن) إلى زر جرس الاستدعاء أمامه، وأدرك أنه قد ضغطه دونت وعي منه/ فتمتم:
ـ معذرة يا عم (توفيق) .. إنني لا أطلب شيئًا.

ثم أشار على عينيّ الرجل مستطردًا:
ـ ولكن لماذا تبكي؟
لم يكد يلقي السؤال على الرجل، حتى تفجرت كل الدموع الحبيسة في عينيّ الكهل، وراح يبكي في مرارة، جعلت (حسن) يسأله في قلق:
ـ ماذا حدث يا عم (توفيق) .. أخبرني يا رجل .. أخبرني.
حاول عم (توفيق) أن يجفف دموعه، وهو يقول:
ـ كنت أعاني من آلام بصدري منذ زمن، وعندما تزايدت هذه الآلام، في الآونة الأخيرة ذهبت إلى طبيب شهير، وأنبأني بأنني مصاب بورم خبيث في الرئة، وأن أيامي في الدنيا أصبحت معدودة.

قالها وانهار باكيًا، فربت (حسن) على كتفه، قائلًا:
ـ لا تبك هكذا يا رجل .. الأعمار بيد الله.
قال عم (توفيق) في مرارة:
ـ لست أبكي عمري يا سيدي، بل أبكي زوجتي وأبنائي الخمسة، ماذا سيفعلون بعد موتي؟ .. إنني لم أملك يومًا سوى مرتبي، ولن أترك لهم قرشًا واحدًا..

فجأة قفزت الفكرة كلها إلى رأس (حسن)، فاتسعت عيناه، والتمعتا في شدة، وهو يسأل عم (توفيق):
ـ وكم تبقى لك في الدنيا يا عم (توفيق)؟
أجابه الكهل باكيًا:
ـ يقول الأطباء إن أمامي شهرًا واحدًا على الأكثر.
برقت عينا (حسن) أكثر، وربت على كتف عم (توفيق)، ثم سأله:
ـ قل لي يا عم (توفيق): ما رأيك في مائة ألف جنيه؟
رفع الكهل عينّيه إليه، وهتف في دهشة:
ـ مائة ألف جنيه؟!

قال (حسن) بسرعة:
ـ نعم يا عم (توفيق) .. أنا مستعد لإعطائك مائة ألف جنيه، عدًا ونقدًا/ تتركها لأبنائك بعد وفاتك.
هب الكهل من مقعده/ وأمسك يد (حسن)، يحاول تقبيلها، هاتفًا:
ـ أبقاك الله ورعاك يا سيدي، و …
قاطعه (حسن) في صرامة:
ـ مقابل خدمة بالطبع.

توقف الكهل، ووقف مرتبكًا، وهو يقول:
ـ إنني مستعد لخدمتك بعمري يا سيدي، ولكن أرجو أن تكون خدمة جيدة، فلست مستعدًا للقاء ربي بذنب كبير، أو ..
قاطعه (حسن) مرة أخرى:
ـ لا إنها خدمة حلال تمامًا، وشرعية أيضًا.
عقد الكهل حاجبيه في حيرة، وهو يسأله:
ـ وما هي هذه الخدمة يا سيدي؟
جل (حسن) خلف مكتبه، وقال:
ـ أن تتزوج.
هتف الكهل مستنكرًا:
ـ أتزوج؟!

انطلق (حسن) يشرح له مشكلته، دون الإشارة إلى الأموال، وأقنعه أنه يحب زوجته، ويرغب في إعادتها إلى عصمت، ثم أضاف:
ـ وزواجك منها سيكون شرعيًا تمامًا، فلن تطلقها، بل ستكون النية هي الدوام، ولكنك ستموت بعد شهر واحد، فتصبح هي أرملة، ويحق لي الزواج منها شرعًا.
لاحظ التردد على وجه الكهل، فتابع بسرعة:
ـ أظنك تستطيع إقناع زوجتك بقبول هذا، من أجل أبنائكما .. أليس كذلك؟ .. لسن أظن عمرك يساوي أكثر من هذا ..

أجابه الرجل في استسلام:
ـ إقناع زوجتي ليس بالمشكلة الكبرى يا سيدي، فالفقراء يعتادون قبول الكثير، من أجل لقمة العيش .. المشكلة هي إقناع زوجتك أنت بهذا .
ابتسم (حسن)، وهو يقول:
ـ دع لي هذه المشكلة.
ولم يرهقه الأمر كثيرًا، فقد كانت زوجته تحبه بحق/ مما جعلها توافق على الزواج صوريًا من عم (توفيق)، وفي اليوم التالي مباشرة تم عقد القران، وذهب عم (توفيق) للعيش في فيلا الهانم، في حين اتجه (حسن) إلى مكتبه، وجل مبتسمًا، يهنئ نفسه على ذكائه، وهو يقول:

ـ هكذا يكون كل شيء سليمًا وشرعيًا، وما هو إلا شهر واحد وينتهي عمر عم (توفيق)، وتنتهي معه المشكلة، وتعود لي زوجتي بكل أموالها ..
امتلأ زهوًا بذكائه، فراح يطلق من بين شفتيه صفيرًا منغومًا، قطعه فجأة رنين الهاتف، فالتقط سماعته، ووضعها على أذنه، قائلًا:
ـ من المتحدث؟
سمع صوت خادمه يقول:
ـ معذرة يا سيدي .. لقد حدث أمرٌ مفاجئ .. البقاء لله (سبحانه وتعالى) .. الأعمار بيد الله و …
قاطعه في لهفة:
ـ هل مات عم (توفيق) قبل الأوان؟
بكى صوت الخادم، وهو يقول:
ـ بل هي الهانم.

 

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || الوداع

رائج :   ما تقولوا ليه بتهينوا مصر؟ || من كتابات د : أحمد خالد توفيق

اتسعت عينا (حسن) في ذهول، وهو يردد:
ـ الهانم؟!
قال الخادم في مرارة وحزن شديدين:
ـ نعم يا سيدي .. إنه حادث سيارة .. لقد قضت نحبها على الفور ..
أكثر ما يؤلمني يا سيدي هو أن ذلك الفرَّاش الكهل سيرث ثروتها كلها، و ..
ولم يسمع (حسن) باقي الحديث، بل ترك الهاتف يسقط ويتحطم أرضًا ..
لقد أدرك أنه خسر اللعبة ..
لعبة العمر ..

_________
(د. نبيل فاروق ـ كوكتيل 2000 ـ العدد رقم 12 ـ العنقاء)

Related Articles