من هنا وهناكوعي

علاج فيروس سي .. قصة نجاح مصرية تحتاج للتكرار

– يوم الخميس اللي فات موقع أخبار الأمم المتحدة نشر خبر إن مؤشرات نجاح التجربة المصرية في علاج فيرس سي “كانت موضع اهتمام منظمة الصحة العالمية التي تعمل الآن على تقييم التجربة ونقلها لبلدان أخرى.”
– دي مش أول اشادة دولية، رئيس منظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس غيبريسوس، امتدح التجربة المصرية أكتر من مرة.

– والأهم من أي رأي خارجي هوا تأثير القضية نفسها علينا، بما إن مصر من أعلى دول العالم في الإصابة، وأمراض الكبد هي تالت أكبر سبب للوفاة في مصر بعد أمراض القلب والسكتة الدماغية.
هل ممكن والبلد فيها مليون مشكلة يحصل نجاح كبير كده؟
أيوة ممكن وحصلت سابقاً كمان، زي ما شفنا القضاء على مرض شلل الأطفال، وزي ما شفنا القضاء على البلهارسيا. لما الحاجة بتتعمل صح بتنجح .. المهم تتعمل صح.
*****

إيه اللي اتحقق بالفعل؟

– تم علاج مليون و 800 ألف مصري، وده في حد ذاته إنجاز ضخم جداً.
– تم الاعلان رسميا عن انتهاء كل قوائم الانتظار، يعني كل مصري سجل في الموقع إنه عايز علاج اتعالج بالفعل.
– تم اطلاق الحملة القومية لمصر خالية من فيرس سي سنة 2020، ودي هتتم عبر المسح لأن أغلب المصابين اما ميعرفوش باصابتهم واما في أماكن بعيدة ومعرفوش عن التسجيل للعلاج، حتى الآن تم فحص 628 ألف مواطن، تم تشخيص المرض عند 18 ألف منهم وأخدوا العلاج المجاني. 
– انطلقت حملة للتسويق للسياحة العلاجية في مصر، ودي اللي منها صورة ميسي مع الموضوع، بندعو ملايين المرضى في العالم ييجو مصر سياحة وعلاج رخيص.

إيه أسباب النجاح ده؟ اشمعنى؟

1- التراكم المؤسسي

فيه شيء مشترك في أي خطة كبرى نجحت في مصر هيا انها حافظت على “الذاكرة المؤسسية”، بمعنى ان تغيير الوزير أو الرئيس ميفرقش كتير.
– سنة 2006 تم تشكيل اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية، ومن وقتها لحد النهاردة، 12 سنة، اللجنة دي هيا المسؤولة عن الموضوع بتطوراته .. وقت لما اتعملت اللجنة كانت مهمتها التفاوض على استيراد عقار الانترفيرون اللي أصلاً نسب نجاحة مكانتش كاملة، وكان الهدف في ضوء المتاح هوا علاج 20% من المرضى سنة 2012، لكن طبعاً التطورات سبقت بكتير.

رائج :   الحلم الأمريكي بعيون مصرية .. ( الحلقة الثانية)

2- الإرادة السياسية 

– في فبراير 2014 انعقد مؤتمر صحفي قدم فيه الجيش علاج فيروس سي بحضور رئيس الجمهورية عدلي منصور ووزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، واللي اتعرف بعد كده بعلاج “الكفتة” المصطلح اللي قاله اللواء مكلف ابراهيم عبدالعاطي .. وكانت فضيحة هائلة، ولم يتم حساب المسؤولين عن المتاجرة بصحة وأحلام المصريين وبسمعة الجيش المصري لدرجة منح رتبة لواء لنصاب زي ده!
لكن الجانب الإيجابي إن ده منح سبب إضافي لتقديم حل حقيقي وسريع. 

– أي نظام حكم في العالم بيكتسب قوته ومكانته باحترامه للدستور والقانون، وبرضا المواطنين عن وجوده بسبب انجازاته في مجالات بتمسهم بشكل مباشر، وممكن للسبب ده مشروع زي علاج المواطنين المصابين بفيروس سي خد الاهتمام السياسي المطلوب، وبقينا نشوف الرئيس بيتكلم عنه كتير، وتم تخصيص نصف مليار جنيه من صندوق تحيا مصر لصالحه لتسريع معدلات العلاج والمسح، وبالتالي بعد ما كانت الخطة الأصلية بتستهدف علاج 300 ألف كل سنة تم تجاوز ده بكتير.

ده في حد ذاته شيء يسعدنا ونتمنى يتكرر، مشكلتنا عمرها ما كانت ان نظام يفيد الناس ليكتسب رضاهم سياسياً، ده اللي طبيعي يعمله أي حاكم في العالم، مشكلتنا العكس لما اللي بيحكمونا مبيعتبروش رضا الناس عن أدائهم هو معيار وجودهم في الحكم فطول الوقت يقروا سياسات لا تهتم بأحوال الناس.

3- التعاون العالمي

– زي ما كان القضاء على شلل الأطفال في مصر جزء من حِراك عالمي، والتطعيمات اتوفرت لمصر مجاناً في إطار خطة عالمية شملت عشرات الدول، برضه فيه دور عالمي كبير جداً في فيرس سي.

رائج :   الإفلاس .. ممكن يكون البداية مش النهاية

– في نهاية سنة 2013 شركة جلعاد الأمريكية اكتشفت عقار السوفالدي، اللي بيعمل بطريقة جديدة معينة تخلي فاعليته عالية جداً، وفي فبراير 2014 نتيجة لتجربة سابقة في دواء الإيدز تطوعت الشركة بتقديم أسعار مختلفة حسب مستوى دخل الدولة مرتفع أم متوسط أم منخفض.
مصر في الفئة الدنيا من المتوسطة، لكن نجح تفاوض لجنة الفيروسات الكبدية في ان مصر تاخد سعر الدول منخفضة الدخل، وهو 300 دولار للعلبة بدل 28 ألف دولار، 1% من سعره.

4- التصنيع المحلي 

– حصلت خطوة مصيرية على يد جنود مجهولين في لجنة حقوق الملكية الفكرية .. اللجنة دي اللي محدش يعرف أسماء اللي فيها، وأغلب المصريين ميعرفوش ايه دي ولا وظيفتها ايه، عملت انجاز عظيم لما رفضت طلب شركة جلعاد بتسجيل الدواء كملكية فكرية، وقدرت تلاقي أسباب قانونية تفصيلية معينة في الاتفاقيات الدولية اللي مصر موقعة عليها تسمح بده بشكل يتماشى مع القوانين والاتفاقات الدولية، وبالتالي أصبح من حق الشركات المصرية صناعة الدواء.

– وبالفعل 16 شركة مصرية بدأت صناعة الدواء ده ونسخ مُطورة منه، وده أدى لأكبر انخفاض في الكلفة لأن كل الشركات دي نافست بعضها، والعلبة اللي كانت ب 300 دولار بقت ب 500 جنيه.. لدرجة ان ناس كانو مسجلين في قائمة انتظار الوزارة راحو اشترو على حسابهم لما رخص كده.

– الدواء المصري بسبب فعاليته وقلة ثمنه بقا في إمكانية لتصديره للخارج (للدول المسموح التصدير ليها حسب معايير قانونية معينة)، تحديداً الكلام حاليا عن الاردن والسودان ونيجيريا والأرجنتين، وده جانب اقتصادي مهم جنب الجانب الصحي.
– التجربة دي مهم تتكرر في أنواع أدوية أخرى، والاستفادة من تجربة الهند اللي غزت العالم بأدويتها البديلة لعلاج الإيدز.

رائج :   قصة صراع Apple & Microsoft .. الخيال الذي حطم الواقع

5- استخدام التكنولوجيا في التنظيم

– سبق وقلنا في كلامنا عن مشروع تكافل وكرامة انه قدر يوصل لملايين الاسر المستحقة للدعم بسبب النظام الالكتروني الناجح لقواعد البيانات .. ونفس السبب برضه كان جزء من النجاح في علاج فيرس سي.
المواطن بيسجل على الموقع، ثم بشكل الكتروني بيتم ترتيب طريقة العلاج وفقا لمكان الاقامة وبترتيب اسبقية التقدم، ويتم التواصل معاه يروح في معاده يعمل تحاليله ثم يصرف علاجه، ولا حد وقف طابور وزحمة وخناقات، ولا حد له واسطة يدخل الأول، كله انتهى ببساطة.
ده بيقول رسالة شديدة الأهمية على امكانية تطوير الجهاز الاداري والعمل الحكومي والخدمات عن طريق الميكنة والتحديث التكنولوجي .. نفس الموظف اللي بيعطل الشغل أو يفتح الدرج لما اتحط في السيستم الصح اتقفلت طرق الفساد أو التقصير أو التهرب.

6- احترام العلم والتخصص والعمل الجماعي

سواء أساتذة لجنة مكافحة الفيروسات الكبدية (وزارة الصحة)، أو مسؤولي قواعد البيانات (وزارة التنمية الإدارية) أو أعضاء لجنة الملكية الفكرية (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي)، دول ناس في أماكنهم بسبب تاريخهم وعلمهم، وكلهم ناس متخصصين لما اتسابتلهم الفرصة، واتقدم الدعم المطلوب من الدولة، ظلع منهم شغل هايل ونتاج عمل جماعي من 3 وزارات. 
وأكيد عندنا زيهم في كل المجالات.

– اللي بيحصل في مشروع القضاء على فيروس سي شيء يسعدنا جداً زي ما بيسعدنا أي إنجاز بيمس حياة المواطنين المصريين، ونتمنى انه مشروع القضاء على فيروس سي يشجع على مشاريع قومية تانية تفيد المصريين بشكل مباشر مجالات الصحة والتعليم والقضاء على البطالة والفقر .. والمواطن اللي صحته كويسة وعيشته كويسه ومتعلم كويس هوا المواطن اللي هيشتغل كويس، وهوا المواطن اللي مش هيسكت عن حريته وحقوقه السياسية والاجتماعية.

مقالات ذات صلة