أجمل رسائل بريد الجمعة

فوق القمة ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أنا فتاة فى التاسعة و العشرين من عمرى ..لا أغالى اذا قلت انى جميلة ..لأننى فعلا كذلك و قد عشت حياة بسيطة فى اسرة ميسورة بين أمى ربة البيت الطيبة المحترمة و أبى رجل الأعمال الذى ورث عن ابيه تجارة ناجحة و تمتعت بحب أمى لى و تعلقها بى ..

اما ابى فلقد كان مشغول دائما فى عمله فلم تتعد دائره علاقاتى الأجتماعية بعض الزيارات العائلية مع أمى أو بعض المرات القليلة التى اذهب فيها الى النادى لالتقى ببعض الصديقات الى ان جاء يوم كانت فيه سيدة طيبة تأتى الى بيتنا لتساعد امى فى بعض أعمال البيت و تأخرت عندنا فى ذلك اليوم فدق جرس الباب و فتحت فوجدت أمامى شابا وسيما يتفجر رجولة و حيوية , يسأل عن السيدة , و عرفت منها انه ابنها و دعوته للدخول لكنه رفض حياء و انتظرها حتى خرجت معه و انصرفا ، و أنا مشدودة لا أعرف ماذا جرى لى .

و فى الأسبوع الثانى جاءت السيدة الطيبة فوجدتى أجلس معها و أنتهزت الفرصة لأسال عن أبنها الشاب ، فأذا بها تخبرنى طالب انه طالب معى بنفس الكلية و يتقدمنى بسنه و أكتفيت بما عرفته منها , و فى اليوم التالى بحثت عنه فى الكلية حتى وجدته و حييته تحية الصباح فرد على بأدب و حياء , ثم خفض رأسه فوجدتى أساله عن الصحة و الأحوال فرفع رأسه مندهشاً و أجابنى شاكرا و أنصرف .

و تكررت لقائتنا داخل الكلية مصادفة أو عمداً من جانبى ، و بمرور الأيام عرفت كل شىء عن حياته ، فعرفت أنه يعمل بعد الدراسة فى محل تجارى ليكسب دخلا يعينه على نفقات الكلية و ليساعد به أسرته و عرفت ايضاً أنه طالب متفوق مجتهد فى كل يؤديه ، حتى أنه يجمع أسئلة أمتحانات السنوات السابقة و يقوم بحلها كنماذج للأجابات و يطبعها و يوزعها على الطلبة و يحقق منوراء ذلك دخلاً بسيطا كل سنة .

و أستمرت زملتنا على هذا النحو ثلاثة سنوات ،أزددت خلالها أعجاباُ به و برجولته و بأعتزازه بنفسه ، و قبيل نهاية العام الأخير بالجامعة أستقر فى يقينى أنه أحبه من أعماقى ، على الرغم من أنه لم يبدى من جانبه أى علامة على وجود مثل هذه المشاعر لديه ، و حين أقتربت الأمتحان سألته عما ينوى أن يفعل بعد التخرج فلم يحر جوابا ، فعرضت عليه أن أحدث أبى بشأنه ليعمل معه ، ففاجأنى بثورة كالبركان رافضاً ذلك ، و أنصرف يومها غاضباً ، و عدت لبيتى حزينة و حكيت لأمى ما جرى فسرته لى بأنه وجد فى عرضى ما يمس كرامته ،

و مضت فترة طويلة لم نلتقى خلالها ، ثم علمت بأنه عمل بعد التخرج فى عمل كان قد بدأه فى الشهور الأخيرة من الدراسة ، و روادتنى نفسى طويلاً أن استقصى اخباره الى أن جاءت اللحظة حين زرت والدته و التقيت به هناك ، و فى هذه المرة تحدثت معه قليلاً .. فأندفع يعبر لى عن مشاعره المكتومة التى لم يستطيع أن يبوح لى بها بسبب ظروفه ، و تعاهدنا الا نفترق ، وأن يتنظر اللحظة المناسبة ليتقدم لأسرتى ، و جاءت هذه اللحظة بعد عام عندما تخرجت من كليتى .

رائج :   الجائزة الكبرى .. رسالة من بريد الجمعة

ففاتحت أمى فى الأمر فرفضت بشدة و أبلغت أبى الذى ثار ثورة هائلة و لم تفلح كل المحاولات فى تهدئته ، و لم يسمح لى بمناقشته ..أو محاولة أقناعه ، و أسرع بأن وضعنى أمام أختيار صعب ،هو أما صرف النظر عن هذا الزواج و أما ترك البيت فوجدت نفسى حائرة بين أرضاء أبى .. و بين نداء قلبى الذى لم يخفق طوال عمره لهذا الشاب المكافح .. و فكرت كثيراً .. و بكيت كثيرا ً .. و بكت أمى طويلاً و حاولت أثناء أبى عن تشدده لكى يقابلنا فى منتصف أو يتفاهم معنا لكنه تمسك بموقفه بأصرار .

و هكذا وجدت نفسى فى الخامسة و العشرون من عمرى و بعد حوالى 5 سنوات من الحب العميق لمن أختاره قلبى مخيرة بين أمرين يعز علي أن افرط فى أيهما ، هما أسرتى و حبيبى ، لكنى بعد عذاب طويل لم أجد مفراً من أن أستجيب لنداء قلبى و كلى أمل فى أن يرحم أبى ابنته التى تحبه و أمى الحائرة بيننا و يغير من موقفه و لو بعد حين .

و هكذا حزمت أمرى بعد ليالى عصيبة قضيتها ساهرة حتى الصباح و ودعت أمى و أنا أبكى و هى تبكى ثم خرجت ألى بيتى الجديد .. و كان فتاى قد أجر شقة متواضعة و اسسها بأثاث أكثر تواضعا ..و تم عقد القران و أقام لنا أصدقائه فرحاً و زفة ن أنساها العمر كله فهو محبوب دائما من كل معارفه و تم زفافنا بين أهلة و اصدقاءه أما أهلى فلم يحضر منهم أحد بكل أسف .

و رغم ذلك فقد بدأنا حياتنا الجديدة و محم سابحان فى بحر السعادة ..فكانت يقظتنا أحلامنا و أحلامنا أنغاما ، و مضت الأيام سعيدة جميلة لا يعكر صفوى فيها سوى “غربتى” عن أهلى و أنا أعيش معهم فى نفس المدينة .. و كان زوجى ينبوعاً من العطف و الحنان ، فحاول كثيرا أن يصلح ما بينى و بين أهلى ، و تحمل فى سبيل ذلك الكثير رغم أعتزازه بكرامته ، كما حاول كثيراً أن يخفف عنى مؤكداً أنها سحابة و سوف تنقشع .. و أن المياه سوف تعود فى النهاية الى مجاريها ..

لكن الحال بقيت كما هى حتى أراد الله لنا ان نغادر مصر كلها ليكون لأغترابى عن اهلى سبب مقبول .. فقد جاءته فرصة للعمل فى الخارج و شجعته عليها و سافرنا معا ، و حصلنا على شقة هناك و أثثناها ، ووفقه الله فى عمله كما وفقه من قبل فى كل عمل تولاه ، و أتم الله نعمته علينا فأنجبنا ابننا بعد شهور من سفرنا ، و شكرنا الله على نعمته فأخرج زوجى الزكاة و أرسلها الى بلادنا لتوزع على من يستحقونها ، و أدينا فريضة الحج و أعتمرنا و بقينا ثلاث سنوات لا نعود الى مصر ،و كلما جاء موسم الحج أدينا الفريضة بدل من السفر لبلادنا

رائج :   السهم الأخير ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

و فى العام الثالث كنا قد وقفنا بعرفات زوجى و أنا و طفلى الصغير فأحسست فجأة كأن تيار كهربائيا يشدنى الى الناحية اليمنى ، فنظرت اليها فجاة فاّا بى أرى ابى و أمى الذان لم تقع عيناى عليهما منذ 3 سنوات بملابس الأحرام ، يقفان الى جوارى بالظبط ، كأن وجودهم بالقرب منى قد خلق مجالا كهربائيا ارسل اشارته الى و نبهنى اليهما ..نظرت اليهما و لم اصدق نفسى و لم يصدقا نفسيهما ووجدت نفسى اندفع اليهم و هما يندفعان الى فى نفس اللحظة و فاضت العيون بالدموع الغزيرة .. و أبى و امى و انا و زوجى حتى ولدى صغير ترقرقرت عيناه بالدمع ايضا و هو يرى هذا المشهد الغريب ..

و بكيت حتى اشتفيت ، و بكت أمى حتى سالت دموعها انهارا ، و بكى ابى و زوجى حتى تواصلت دموعهم و من حولنا ينظرون الينا مشفقين ، و حين ادركوا الموقف شاركونا التأثر و قالوا جميعا فى هذا المكان الطاهر تمسح الجراح و يولد الأنسان من جديد، و نزلنا من فوق جبل الرحمة معا و تمسكنا بان يقيم معى أمى و ابى الى ان يحين موعد السفر و بعد أنتهاء موسم الحج عدنا جميعا على طائرة واحدة لمصر و دخلنا معا بيت ابى لاول مرة بعد اكثر من ثلاثه سنوات و استقبلنا الجميع بفرحة كبرى و انطلقت زغاريد الفرح التى لم اسمعها يوم فرحى فى هذا اليوم السعيد .
و صفت نفس أبى بعد أن أستسمحته ، حقق الله أمنية زوجى المؤمن الصادق فى أن يصلح ما بين و بين أهلى، و عشنا اياما سعيدة فى مصر ثم عدنا مرة أخرى الى مقر عمل زوجى بعد أن تمسك رؤساؤه باستمرار معهم .

و عدت لبيتى هناك و لأول مرة أجد للغربة معنى أخر غير الذى وجدته فى السنوات السابقة .. فأنا بعيدة الان عن أهلى و لكنى معهم فى كل حين أكتب لهم الخطابات و ابثهما حبى و أشواقى ، و أتصل بهما تلفونيا و يتصلون بى فى مواعيد دورية و الحمد لله على كل شىء ..و الحمد لله الذى ثبت ايماننا بأنه بالصبر تتحقق الأماني و بانه لا فرق بين غنى و لا فقير و بأن علينا أن نرضى الله و لا ننسى نصيبنا من السعادة و من الدنيا و أرجو ألا أكون قد طلبت الكثير .. فلقد طلبت سعادتى مع من أحب و طلبت رضى أهلى ايضا و صبرت حتى حقق الله لى الأمنيتان .. فهل طلبت الكثير يا سيدى ء

رائج :   هديــة الصــــلح ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

ولكاتبة هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

لا يا سيدتى لم تطلبى الكثير فمن حق كل أنسان أن يطلب لنفسه السعادة كما يرها محققا لأمانيه ، لكنه من واجبه ايضا أن يسعى لتحصين هذه السعادة ضد عثرات الطريق ، برضا الأهل عنه و بتايدهم لهم لمشروعاته المستقبليه .
فالسعادة الشخصية لا تكتمل الا براحة الضمير ..و لهذا لم تكتمل سعادتك الا حين تخلصت من وخز الضمير الذى لا شك انك عانيت بسبب تقطع الأسباب بينك و بين اهلك .

و الأوفق دائما حين يجد الأنسان نفسه أمام هذا الأختيار الصعب الذى واجهته ، هو أن يكافح لنيل رضا الأهل عن مشروعاته و الا يخرج على طاعتهم فى هذا الأمر الا حين يكون تجنيهم عليه صارخا و لا يقبله عقل ولا دين و لا شك انه لو بذل الأنسان جهده بأخلاص و صبر لنال تأيدهم و لو بعد حين لما أختاره لنفسه لأن الأمهات و الأباء يا سيدتى يستهدفون فى نهاية الأمر سعادة أبنائهم كما يتصورنها ، فاذا تعارضت الأرادات الأبناء و صدق رغبتهم فيما أختاروا سلموا لهما بما أرادوا لأنفسهم ، ابقاء على شعرة معاوية معهم أو هكذا يفعل الرحماء منهم لأنهم لا يملكون لأبنائهم الراشدين سوى النصيحة مهما كانت دوافعهم الشريفة و لأن الحياة فى النهاية هى خير معلم .

و لكل زمان قيمه و معايره التى علينا ان نعترف بها كما نعترف بأن ما يصلح لزمان قد لا يصلح لأخر .
فأذا كان فى قصتك الجميلة هذه أنتصار الحب و الكفاح الشريف فى الحياة ما يستحق التعليق ،فهو فقط بانك كنتى تستطعين الصبر قليلا قبل مفارقى اهلك ، و انا زعيم لك بانك كنتى ستحصلين بعد قليل على اعترافهم بحبك و قبولهم بهذا الشاب المكافح الأمين .

و لعل هذا هو خلاصة حكمة الصنيين الشهيرة بعد ان عاشوا 5 الاف سنة يراقبون أحوال البشر (يمشى هونا .. يمشى دهرا ) أالصبر كام يتطلب ايضا الأصرار .. لكنى لا اريد ان الومك على شىء بعد ان فات ما فات لانى من المؤمنيين بما يقول الشاعر :

لا تسقنى ماء الملام .. فأننى صب قد استعذبت ماء بكاء

و لان مشهد اللقاء المؤثر فوق جبل عرفات يمسح كل الاحزان ، و يجب كل الكلام .. ثم لانى ايضا سعيد برسالتك هذه و اعتبرها انشودة السعادة وسط اهات المعذبين، فلم لا نحتفل بها كما نهتم بزفرات المهموميين ، و نحن من يصدق عليهم الشاعر الانجليزى شيلى ( قد علمتنا الاحزان نظم القصيد) فاذا كان الامر كذلك فلماذا لا تعلمنا السعادة ايضا دروسها .. الجميلة و تعلمنا نظم الاهازيج ؟


لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

مقالات ذات صلة