أجمل رسائل بريد الجمعة

قبل الشروق ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

صديقي .. أرجو أن تسمح لي أولا بأن أدعوك بصديقي رغم أنني لا أعرفك، لأنه سبق أن أرسلت إليك منذ عدة شهور رسالة مشكلتي اطلب رأيك فيها، وقرأت ردك المختصر عليها في ردود خاصة، ونفذت ما أشرت على به، وعاهدت نفسي انه لو تحقق أملى أن اكتب لك عن تطورات قصتي لعلها تنفع غيري من الشباب.

أما قصتي أنى كيميائي عمري 29 سنة جئت إلى القاهرة منذ 11 سنة لالتحق بالجامعة. فنزلت إلى العاصمة الكبرى لأول مرة في حياتي من مدينتي الصغيرة جدا في الصعيد، وسكنت في شقة من غرفتين وصالة في حي بين السرايات القريب من الجامعة، وانتظمت حياتي بين الكلية وبين المسكن الصغير وكان أبى يزورني في القاهرة كل شهرين أو ثلاثة شهور فيمضى معي عدة ليال.

وكانت وصاياه المستمرة لي هي أن أرعى الله في غربتي.. وكنت حقا وصدقا ملتزما بذلك بأمانة.. وحافظت على استقامتي هذه طوال سنوات الدراسة حتى تخرجت في الكلية، ووفقني الله في الحصول على عمل في القاهرة، وخلال السنة الأخيرة من دراستي كانت استقامتي وطول العشرة قد خلقا بيني وبين جار لي في البيت الذي أقيم فيه. نوعا من الألفة والاحترام المتبادل.. فأصبحنا يحيى كل منا الآخر إذا التقينا على السلم، بعد أن ظل يتجنبني 3 سنوات نفوراً منى لأني طالب أعزب، ثم شيئاً فشيئاً خلقت هذه العشرة نوعاً من الألفة مع ابنيه الطالبين بالمدرسة الإعدادية، ثم شيئاً فشيئاُ بيني وبين ابنته الوحيدة الطالبة بكلية التجارة.. حتى أصبحنا نتبادل التحية على السلم.. ثم بعد فترة من الشرفة.. ثم لم اشعر بنفسي إلا وأنا اشعر بحب عظيم لها.. وهى تبادلني نفس الشعور، فتعاهدنا بعد فترة على أن أتقدم لخطبتها فور تخرجي.

ولأن أبى رغم شدته وتحفظه قد رباني على مصارحته بكل شيء لأنه رجل متنور ومتعلم درس في صغره بالأزهر، لأنه كذلك، فلقد فكرت أن أصارحه بالأمر كله. لكنى ما إن اقتربت من الموضوع حتى فاجأني بأنه غير موافق بالمرة على زواجي قاهرية لا نعرفها ولا تعرفنا، وانه قبل مضطرا أن اعمل في القاهرة لصعوبة العثور على عمل في بلدتنا أو قريباً منها، لكنه لن يقبل أن أتزوج بقاهرية تقطع ما تبقى من روابط بيني وبين بلدتي، وانه يفضل لي أن أتزوج من إحدى قريباتي ليكون هناك دافع قوى يربطني إلى نهاية العمر ببلدتي وأسرتي.

فسكت مرغماً، وقررت أن اترك الأمر للزمن، واستمرت علاقتي الشريفة بفتاتي.. ورأيت من الأمانة إلا تستمر في الخفاء أكثر من هذا.. فزرت أباها وصارحته بكل شيء.. وعرفته أن أبى عنيد لكنه متنور.. وانه إذا تزوجت رغما عنه فقد لا يمنعني بالقوة، لكنه سوف يرفع يده عنى ولا يساعدني في الزواج.. وسيتألم ألما نفسياً كبيراً لأنه لا يتصور أن أخالفه وأنا وحيده الذي يحبه حباً جماً.. فقال لي الأب أنه يرى في أنساناً مستقيماً.. وزوجاً كريماً لابنته لكنه لا يقبل على كرامته أن أتقدم إلى ابنته بغير موافقة أبى وأسرتي، ونصحني بأن أحاول معه من جديد.

ومضت شهور وبدأت فتاتي تقلق خصوصاً بعد أن ظهر في الأفق خطيب جديد من الأسرة، وطالبتني بالتحرك قبل أن يضيع الأمل، وسافرت إلى بلدتي، ورويت القصة لأمي وطلبت مساعدتها في أقناع أبى، فرفض بإصرار، واستعنت بعمى وهو شقيق أبى الأصغر.. وهو شريكه في الأرض المحدودة، ففشل في أقناعه، وعدت للقاهرة بالخيبة. ورأتني فتاتي عائدا محطما وحزينا فعرفت النتيجة، لكنها لم تتخل عنى ورفضت الخطيب الآخر بإصرار.. وغضب منها أبواها وخاصمها وقال لها أنها تحلم بالمستحيل لأن أبى لن يغير موقفه، أما أمها فكانت متعاطفة معها.ورحت اكتب الرسائل إلى أبى أناشده فيها أن يعفيني من الإحساس بالذنب تجاهه، لأني متمسك بالزواج من فتاتي فرد على بالرفض من جديد.. فسافرت إلى البلدة بعد شهرين وقابلت أخوالي الثلاثة.. وطلبت وساطتهم مع أبى.. فحدثوه جميعاً.. فلم يلن.. وعدت مرة أخرى بالخيبة.

وفى هذه الفترة جاء أبى إلى القاهرة ليؤدى العمرة، وذهبت أودعه في المطار وهو محرم، وقبل أن يدخل أسوار الجمرك قلت له وأنا اقبل يده (حلفتك بمن ستضع يدك على شباكه) ألا تظلمني وأنا ابنك الوحيد.. فنظر إلى صامتاً ثم وضع يده على راسي وقال لي.. (ربنا يعمل ما فيه الخير) ثم سافر.

وخلال غيابه خطرت لي فكرة اعتبرتها وقتها جنونية بالنسبة لظروفي، وهى انه حتى هذه اللحظة لم ير فتاتي وانه لعله يظنها (خواجاية) أو متبرجة، ولا يعرف أنها فتاة محافظة من أسرة كريمة متدينة تحترم الأب كما نحترمه تحت.. وتصلى وتصوم مثلنا، فماذا لو قدمتها إليه ليراها على الطبيعة.. أليس من المحتمل آن يغير رأيه؟!!

رائج :   لحظة العبور ! .. رسالة من بريد الجمعة

ونفذت الفكرة وحين عاد من العمرة وجدني في انتظاره، والى جواري فتاة مظهرها محترم جداً شبه محجبة، والى جوارها شقيقها الأصغر فسلمت عليه وقبلت يده، وتقدمت هي منه بعدى وسلمت عليه باحترام وهنأته بالسلامة، فرد عليها بذوق وأدب وصافحه شقيقها، وركبنا سيارة الأجرة إلى مسكني وهو صامت هادئ لا يعبر وجهه عن رفض أو قبول، وعند البيت انصرفت فتاتي وشقيقها إلى مسكنها، وصعدت معه إلى مسكني فلم يسألني عن شيء،

وأمضى الليلة معي في حديث ودي، وكلما حاولت أن استدرجه للحديث عن الخطبة أو فتاتي، سكت ثم حول الحديث وجهة أخرى، وفى الصباح عاد إلى البلدة.. وانتظرت أن يرسل إلى بموافقته فلم يفعل، فكتبت إليه من جديد.. فلم يرد.. فكدت اجن، ماذا افعل يا ربى؟! إنني لم ارتكب جرماً ودخلت البيوت من أبوابها، وقد مضى أكثر من عام وأنا استرضيه واطلب موافقته بلا جدوى ولا سلطان على قلبي.. فماذا افعل لكي أحقق سعادتي وأنال رضا أبى ورضا ربى في نفس الوقت؟

في هذه الأيام بلغت أزمتي قمتها ويئست من كل شيء، فقلت لفتاتي حين تقدم لها خاطب آخر.. لا فائدة.. ابحثي عن مستقبلك.. لن يقبلني أبوك بغير أبى و أسرتي، ولن يقبل أبى بك وبأسرتك، فانهارت وبكت وقالت لي ابعد كل هذا العذاب والانتظار نضحي بكل شيء؟ ورفضت، وطالبتني بألا أيأس، واشهد لها أمام الله أنها في كل هذه المراحل لم تطلب منى أبدا أن اخرج عن طاعة أبى، وإنما طالبتني بأن أحاول،

وفى هذه الفترة كتبت إليك بقصتي وسألتك النصح والمشورة، فقلت لي أنك ضد أن يتزوج الابن أو البنت على غير رغبة الأب والأم، لأن موقف الأسرة الرافض يؤثر سلباً فيما بعد بالفعل على الزواج، إذا تم رغما عنهما ولان الإنسان لا يعيش مع زوجته وحدهما في غابة وإنما مع بشر هم أقاربهم، وانك لا تسوغ لنفسك أن تنصح شاباً أو فتاة بالزواج على غير رغبة الأب أو الأسرة إلا في حالات نادرة، يكون تعنت الأب فيها صارخاً وليس له ما يبرره من عقل أو دين أو خلق،

وانك رغم انك ترى أن حالتي هذه من الحالات الصارخة التي تسمح لنفسك فيها بأن توافقني على الزواج بغير موافقة الأب، حرصاً على هذه الفتاة التي ارتبطت بك أكثر من ثلاث سنوات، فإنك رغم كل ذلك تطالبني بأن أحاول مرة أخرى وثانية وثالثة إلى أن يطمئن ضميرك تماماً إلى أنك قد أرضيت ربك في محاولة استرضاء أبيك ونوال موافقته، فإذا رفض بعد كل ذلك. فتزوج والله مطلع على القلوب. هذا ما قولته لي.. وهذا ما نفذته رغم كل ما عانيت، فزرته مرة أخرى وقلت له كل هذا الكلام وبكيت وأنا اطلب مباركته لزواجي لكيلا أتزوج وأنا أعانى الشعور بالذنب نحوه، فلاحظت انه يغالب مشاعره.. وأن عينيه تدمعان وهو يعلنني للمرة الأخيرة بأنه غير موافق!

كان قد مضى على تعييني ثلاثة أعوام، وكنت قد ادخرت مبلغاً صغيراً وكانت فتاتي قد بدأ صبرها ينفد، فاستجمعت إرادتي وذهبت إلى أبيها، وقلت له إنني أرجوك ألا تكون أنت والدنيا ضدي.. فأنا أريد ابنتك وليس ذنبي أن أبى يرفض الموافقة بعد أن فعلت معه المستحيل، ولقد حافظت عليها أمام الله أكثر من ثلاث سنوات فماذا تريدون منى أن افعل أكثر من ذلك ولماذا تتركونا للضياع، ولماذا تحكمون على كل منا بأن يتزوج ممن لا يحبه؟

ففكر الأب طويلاً ثم قال لي : لا استطيع أن ارفض أكثر من ذلك، وقرأنا الفاتحة، وحددنا موعداً لعقد القران، وكتبت لأبى رسالة طويلة اشرح له الأمر واطلب عفوه ورضاه عنى.. وأعلن له موعد القران.فلم يرد على.

فأرسلت إليه خطاباً ثانياً فلم يرد أيضاً على. فكتبت إلى عمى وأخوالي وأزواج شقيقاتي الثلاث اطلب منهم مساعدتي.. وأقول لهم أنى لن (أزعل) إذا لم يجيئوا لأني أدرك الموقف.. فكلموه فلم يتزحزح عن موقفه.

واقترب الموعد.. فأرسلت إليه تلغرافاً.. فلم يرد على فبكيت من القهر.. وقمت للصلاة فصليت ودعوت الله أن يغفر لي ولأبى أن كنت مخطئاً.. ورتبت نفسي على أنى سأكون عريساً وحيداً بلا أهل في عقد القران.. وبدأت استعد له.. وقال لي صهري إنه يعرف ظروفي وأنه لن يطلب منى أي شيء فشكرته على هذا الموقف، واشتريت بكل ما معي شبكة متواضعة جداً لا تليق بخطيبتي، لكن ماذا افعل؟

رائج :   الجانب الآخر ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

وخلال اليومين السابقين للقران التف حولي أصدقائي الوحيدون من أيام الدراسة وهم أصدقاء رجال وأوفياء.. وفيهم نخوة وشهامة.. وكانوا يعرفون قصتي ويشدون أزرى ويساعدنني، فراحوا يتولون أمور القران.. وبغير أن اطلب من احد شيئاً.. جاءني كل منهم بما معه من نقود لاستعد بها على طلبات القران وأنفقنا كل ما معنا، وأبقينا اجر المأذون على جنب.. ثم اكتشف احدنا وكان قد زوج شقيقته منذ فترة، انه لابد لكل قران من علب توزع على (المعازيم) وإنها من مسئولية العريس واحترنا ماذا نفعل.. وراح كل منا يخرج ما في جيبه فلم يزد ما جمعنا على 40 جنيهاً، واحترت. وشعرت بالعجز..

وأفلتت منى مشاعري فسقطت دمعة من عيني.. ليس حزنا على حالي، وإنما على حال خطيبتي التي يعجز خطيبها عن شراء علب الملبس. فهزني احد هؤلاء الأصدقاء وقال لي (ولا يهمك) ساعة واحدة وحيكون عندك علب الفرح. وخرج يجرى ليركب سيارته الفولكس الصغيرة القديمة، ثم عاد بعد 3 ساعات ومعه 100 علبة من حلواني بالعتبة، علمت فيما بعد انه باع ساعته الثمينة وولاعته الذهبية، وخاتمه لصائغ في شارع الصاغة بنصف الثمن ثم اشترى العلب وعاد إلى بين السرايات جرياً.

في نفس اللحظة كان صديق آخر قد جاءني ببدلته الجديدة ، لأني لم استطع شراء بدلة مناسبة في هذه الظروف.. فارتديتها وبدأت أحاول الابتسام من جديد. وجلسوا جميعاً حولي يضحكون ويهللون وأنا اضحك معهم أحيانا.. واسرح أحيانا أخرى، وأتخيل حال أمي وحزنها على، وحال أبى وغضبه منى فتموت الفرحة في قلبي، وكل فترة يدق الباب فنفتح لنجد أحدا من طرف بيت العروسة يطلب شيئاً أو يبلغنا بشيء.. أو يذكرنا بمن سيذهب لإحضار المأذون.. واقترب الوقت من الرابعة وبدا أصدقائي الخمسة يستعدون للنهوض لكي نخرج معا لنذهب إلى شقة العروسة، حين دق الباب وكنت قريباً منه ففتحته، فإذا بى أرى وجها لم أتبين ملامحه في البداية من شدة انفعالي.. ثم بدأت أفيق وارى أمامي..

يا إلهي إنه أبي، أبى بعينه.. وليس غاضباً.. بل يبتسم.. يبتسم بخجل كعادته حين يكون محرجاً، وإلى جانبه عمي .. وأزواج شقيقاتي.. ثم أمي .. ثم شقيقاتي.. ثم أخوالي الأربعة، ثم 4 من أبناء عمى.. ثم.. ثم لم اشعر بنفسي إلا وأنا احتضن أبي واقبل رأسه ويده وكتفه.. وانحنيت دون وعي لأقبل قدمه.. فرفعني قبل أن أصل إليها وقبلني وتلفت حولي فإذا أنا وسط مندبة لا فرح فالجميع يبكون، أمي تبكى وشقيقاتي وأخوالي وأصدقائي، وأنا وأبى يمسح دمعته بكف يده، وهو يتظاهر بالمرح ثم أراد أن يتخلص من الموقف فقال تأخرنا على الفرح هيا بنا،

ثم خرج من الشقة ونحن وراءه إلى شقة صهري، ولا تتصور ما حدث حين رأوا وعلموا أن أبي قد صفح عنى، ولا فرحة خطيبتي وأمها وأبيها وأخوتها بأبي وأمي وشقيقاتي وأهلي، لقد انقلب الفرح الصامت إلى فرح حقيقي ولعلعت الزغاريد من القلب هذه المرة وحين جاء المأذون تقدم أبي ووضع يده في يد صهري، وهو سعيد ودمعت عيناه وهو يقرا صيغة العقد، وهو يقرأ الفاتحة، أما أنا فلم تجف دمعتي طوال هذه اللحظات رغم سعادتي وابتسامتي العريضة وحين جاءت لي حماتي بالشبكة الفقيرة لكي ألبسها لزوجتي نحاها أبى بيده جانباً وأشار إلى عمي فأعطاه علبة بها شبكة عظيمة فقدمها لي بفخر وقال لي: لبس عروستك شبكتها يا ولد، فكانت أحلى كلمة ولد سمعتاه منه طوال عمري، رغم أنه كثيراً ما قالها لي وأقسمت أمام الجميع أنى لن أخذها إلا إذا سمح لي بتقبيل يده أولاوكانت ليلة من ليالي العمر.

وبعد القران عدنا إلى شقتي الصغيرة وسهرنا حتى وقت متأخر، وعرف أبى ما فعله أصدقائي وما فعله صهري، فازداد لهم أكبارا، وسد عني في اليوم التالي كل ما اقترضته من أصدقائي، وذهب إلى الصائغ الذي باع له صديقي ساعته وخاتمه وولاعته واستردها منه جميعاً، ودفع له فيها فوق ما دفع وما أراده، وأعاده لصديقي، ودفع لي مهراً معقولاً، رغم محاولة صهري الرفض أكثر من مرة، وأمرني ببياض الشقة ودفع تكاليف، وحدد مع صهري موعد الزفاف فى ابريل القادم. وأمضى معي يومين في القاهرة.. كانا من أجمل أيام العمر، ثم عاد مصحوباً بالسلامة مع أسرتي إلى البلدة صباح اليوم الثالث.

رائج :   لعبة الحوت الأزرق … لعبة الانتحار

ولقد مر على عقد القران شهر، وأنا سعيد وعروستي سعيدة، وقررت أن تشاركنا سعادتنا بأن أروى لك ما حدث لكي أقول لكل من يواجهون هذا الموقف أنه لولا أنى أرضيت ربي وضميري في استرضاء أبى طوال حوالي ثلاث سنوات، ولولا أن زوجتي فتاة طيبة ومتدينة ومن أسرة كريمة، لما سمحت لنفسي أبداً بالخروج على إرادة أبى. لأن طاعة الأب العادل العطوف من طاعة الرب، لكن القلب له أحكام ولقد نصرني الله لأني أخلصت الطاعة له وأخلصت النية في استرضاء أبى. فكان ما كان والحمد لله على ما كان وعلى ما سيجيء والسلام عليكم ورحمة الله.

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

حقا يا صديقي الحمد لله على ما كان وما سيكون بأمر الله.. لقد فاجأتني رسالتك وأبهجتني كثيراً بعد أن سمحت لي الظروف بان اعرف فصولها الأولى. والحق أقول لك إنني لم أتصور أنها سوف تنتهي هذه النهاية الرائعة، لما لمسته من صلابة أبيك خلال تلك السنوات الماضية، فلقد كان أقصى ما تصورته هو أن يذوب الخلاف بعد أن يتم الزواج، ويصبح أبوك أمام الأمر الواقع.. فتتحرك عاطفته الأبوية تجاهك.. ويعرف أن رفضه لم يعد له ما يبرره، لكنك حققت المستحيل بصبرك وكفاحك وإخلاصك النية في الحصول على رضا أبيك، أرضاء لربك وضميرك ومشاعرك الشخصية الحميمة تجاهه.. وهذا ما أطالب به دائماً من يستشيرني في مثل قصتك هذه..

فأطالبه بان يثابر أولاً على محاولة نيل رضا الأهل.. وان يبذل كل ما في طاقته لتحقيق ذلك.. وأقول دائماً قد يدرك المتأني بعض حاجته) وان المسالة تحتاج فعلاً إلى (جهاد) من نوع جهادك هذا، لأن رمز الأب يستحق كل هذا وأكثر، وأروى لمن سألني أن الخليفة عمر بن الخطاب قد أعاد أبناً وحيداً من الغزو في جيش العراق لأن أباه توجع لفراقه ، وقال له ( ألزم أبويك فجاهد فيهما ما بقيا من الدنيا ، ثم شأنك بنفسك بعدهما وسيأتيك عطاؤك ). لأنه اعتبر جهاد الابن في رعاية أبيه والبر به في منزلة الجهاد في سبيل الله، ثم أمر بعد ذلك بالا (يغزو) من له أب شيخ ألا بعد أذنه.. فما بالك بمن سيتزوج؟

ألا يستحق هذا الأمر وهو الأقل منزلة من الغزو أن يكون بإذن الأب ورضاه.. لكن ذلك لا يعنى أيضا إطلاق الأمر على غاربه.. لان على الآباء أيضاً أن يكونوا منصفين لأبنائهم وعطوفين عليهم.. وان يعينوهم بعدم التعسف على طاعتهم وعدم الخروج على إرادتهم، لهذا جاء في الحديث الشريف رحم الله امرءًا أعان ولده على بره ) أي أعانه بعدله ورحمته وعطفه على أن يكون نعم الابن له.. ونعم النصير، ولو عرف كلا الطرفين واجبهما لكانت كل النهايات سعيدة كهذه النهاية الدرامية العجيبة التي صنعها أبوك، حين تغلبت عليه عاطفته الأبوية في النهاية، فجاء شامخاً كالأسد ليساند ابنه الوحيد في اليوم الذي يحتاج إليه فيه.. ويفخر به ويستند إليه فيه.. وهل الأبوة إلا رحمة وعدلاً وسنداً وفخراً للأبناء؟!

أما أصدقائك الخمسة هؤلاء فلقد أحببتهم من كل قلبي، لأنهم فعلاً رجال بحق وأوفياء بحق.. وذوو نخوة وشهامة بحق، ولابد انك أنت أيضا كذلك.. لأن (المرء يعرف بأقرانه) كما يقولون. فاهنأ بسعادتك يا صديقي.. وألزم أباك العظيم ( المتنور بحق) هذا بعد ما حدث ولا تخرج عليه أبدا.. واعرف له قدره لأنه جاهد نفسه طويلاً كما جاهدت أنت ظروفك وغالب مشاعر عديدة ترتبط بتقاليد مجتمعه وانتصر في النهاية للحق والعدل والرحمة.. فلم يكابر أكثر من ذلك،

في حين يكابر بعض الآباء ممن يحسبون من قمم العلم والثقافة والمراكز الاجتماعية إلى النهاية، ويصرون على الوقوف في وجه (أحلام) أبنائهم فيدفعونهم دفعا إلى الخروج عليهم. إن أباك في رأيي أكثر حكمة وثقافة ووعياً من كثيرين من أمثال هؤلاء.. فاعرف له قدره مرة أخرى، واسعد بفتاتك وبحبك العظيم هذا، وكن كأصدقائك عوناً للآخرين وسنداَ لهم عند الحاجة، وستكون كذلك بالتأكيد لان هذا الشبل من ذاك الأسد (الصعيدي) المتنور الذي يستحق كل الحب وكل الإعجاب مع خالص تمنياتي لك باستمرار السعادة والتوفيق


لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

مقالات ذات صلة

تعليق واحد