دين و دنياقصص وعبر

مراحل جمع القرآن حتي وصلنا مقروءا و مسموعا!!!!!

مرّ جمع القرآن الكريم بثلاث مراحل معروفة كما تثبتها كتب دراسات القرآن الكريم،

المرحلة الأولى :

أولها كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتمت على طريقتين:

الأولى طريقة الحفظ والثانية طريقة الكتابة، وقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن محفوظ في الصدور أو مكتوب مفرق الآيات والسور.

المرحلة الثانية :

كانت مرحلة الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله وعنه، وفيها بدأ زيد بن ثابت رضي الله عنه رحلته الشاقة في كتابة القرآن معتمدا على المحفوظ في الصدور أو المكتوب عند الكتبة، وبقيت تلك الصحف عند أبي بكر حتى توفي، لتنتقل من بعده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وظلت عنده حتى توفي وكانت عند ابنته حفصة زوج النبي صلى الله وسلم إلى أن طلبها منها عثمان بن عفان رضي الله عنه.

المرحلة الثالثة : 

وكانت مرحلة الخليفة الثالث عثمان بن عفان هي المرحلة الأشهر والأهم في مراحل جمع القرآن الكريم فبعدما اتسعت الفتوحات الإسلامية وتفرق القراء في البلدان وأخذ أهل كل بلد القرآن عمن وفد إليهم، واختلفت وجوه القراءة التي يؤدنه بها باختلاف الأحرف التي نزل بها، فكانوا إذا ضمهم موطن من مواطن الغزو عجب البعض من وجوه هذا الاختلاف.

وحين رأى حذيفة بن اليمان هذا الاختلاف في غزوة أرمينية وغزوة أذريبجان، بالدرجة التي أدت إلى وقوع اللحن والمماراة بين المسلمين، وتكفير بعضهم للآخر فزع إلى عثمان بن عفان الذي أرسل لحفصة طالبا منها الصحف التي لديها وبدأ مشروع توحيد المصحف، وشُكلت هيئة من الصحابة لهذه المهمة.

مشروع الجمع الصوتي وصاحبه وفي العصر الحديث بدأت أول مرحلة من مراحل الجمع الصوتي للقرآن الكريم عام 1958م، وكان يقف وراء هذا المشروع العظيم رجل جليل، صاحب رسالة نبيلة، عاش من أجل تحقيقها، وكانت ثمرتها إذاعة أول تسجيل للمصحف المرتل منذ نزل القرآن الكريم، وإنشاء إذاعة خاصة به في مصر، ثم تلتها إذاعات أخرى في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي.

ومما يثير الإعجاب بهذا المشروع؛ أنه نهض على يد رجل من خارج مؤسسة الأزهر، أو العمل الدعوي العام! إنه الدكتور لبيب السعيد، الذي كان يشغل منصب المراقب العام بمصلحة الاستيراد، ومنتدبا للتدريس بكلية التجارة في جامعة عين شمس.

ولد الدكتور لبيب السعيد بمدينة المنصورة بمصر فى 8/12/1914 وكان يعمل فى وزارة المالية المصرية ويحاضر فى علم الاجتماع بجامعتى عين شمس والأزهر، ثم انتقل إلى وزارة الأوقاف المصرية ليشرف على تنفيذ مشروعه “الجمع الصوتى للقرآن”

وقد عمل رحمه الله أستاذا للاجتماع الإسلامى ولعلوم القرآن فى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية حتى منتصف الثمانينات، وله إنتاج علمى كبير..

ففضلا عن (الجمع الصوتى الأول للقرآن الكريم) كانت له كتب ودراسات وبحوث مهمة منها (المقارئ والقراء) و (الأذان والمؤذنون) و (رسم المصحف – المشكلة والحل) و (التغنى بالقرآن) و (دراسة إسلامية فى العمل والعمال) و (العلاقات العمالية الإنسانية فى المجتمع الحديث) و (العلاقات العمالية الإنسانية وأيديولوجيتها فى المجتمع العربى ) و (دفاع عن القراءات المتواترة فى مواجهة ابن جرير الطبرى) و ( الشيوعية فى موازين الإسلام) و ( العمل الاجتماعى – مدخل إليه ودراسة لأصوله الإسلامية) وغيرها كثير.

وكانت له أنشطة متعددة فى الإذاعات المسموعة والمرئية ، أهمها سلسلة (معارف قرآنية) فى إذاعة الرياض السعودية فى السبعينيات من القرن العشرين. وكان الدكتور السعيد من أهم من تصدوا لدعاوى المستشرقين الطاعنين على الإسلام ، وله فى ذلك رسائل متعددة. وقد توفى رحمه الله فى 22 يناير 1988.

رائج :   التاريخ المؤلم للامبراطورية الاستعمـــــارية الألمانـــية فـــي إفريقـــيا

فكرة المشروع والحاجة إليه

وفي شهر شعبان من سنة 1378هـ، الموافق 1958م تقدم الدكتور لبيب السعيد بمذكرة إلى الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم ـ التي كان يرأسها ـ يوضح فيها اقتراحه بشأن تسجيل القرآن صوتيا بكل رواياته المتواترة والمشهورة وغير الشاذة، مبيناً أن أهم وسيلة لنقل القرآن الكريم عبر الدهور، كانت وما زالت: روايته وتلقينه مباشرة وشفاهًا، فمًا لفمٍ، وهذا هو المعتمد عند علماء القراءة، لأنَّ في القراءة ما لا يمكن إحكامه إلا عن طريق السماع والمشافهة.

ومتابعة للتطور، وتأكيدًا لطريقة النقل الشفوي، وتطويرًا لَها، يمكن الآن الاتجاه إلى تسجيل القرآن الكريم تسجيلاً صوتيًّا، ولعل هذا الأسلوب أن يكون هو أصلح أساليب العصر، وأكثرها تيسيرًا على المسلمين في تلقِّي الكتاب العزيز، مجوَّدًا ومتلوًّا بمختلف القراءات.

وقال السعيد في اقتراحه: الملاحظ الآن أن كثيرًا من المسلمين لا يُحسنون – مع الأسف- أداء الكتاب العظيم، حسب أصول التجويد، مع أنهم بالضرورة يؤمنون بِهذا الكتاب، ويحبونه، ويستهدونه.

والملاحظ أيضًا أن أغلب حفاظ القرآن الكريم لا يعرفون غير رواية حفص، وهذا وذاك أمران بالغا الخطورة، ويتعين على الجمعية العامة للمحافظة على القرآن الكريم، وهي التي تعمل ليظل ميراث القرآن محفوظًا أحسن حفظ على مدى الزمن، أن تبادر لهذه الحال عاجلاً. وربَّما كان مشروع تسجيل القرآن صوتيًّا من كبار علماء القرآن هو السبيل العملية السهلة إلى العلاج المنشود.

ولا ريب أن الحاجة إلى هذه الوسيلة – بالنسبة للدول الإسلامية غير العربية – أمَسُّ، وأن انتشار القرآن بفضل هذه الوسيلة سيكون أوسع، وطلابه سيكونون أكثر، وأن المصحف المسموع سيكون سببًا خطيرًا لزيادة توثق العلاقات بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربِها…

أما فيما يختص بِمن يتولون القراءة والتدريس العملي، فيجب أن يكونوا من أعلم علماء القرآن، مع مناسبة أصواتِهم للتسجيل، وأن تختارهم لجانٌ لَها خبرتُها القرآنية العظمى، ويشارك فيها الأزهر الشريف، والهيئات العلمية واللغوية والثقافية الأخرى.

وأقترح تشكيل لجنة من أعضاء الجمعية تضم إليها من تشاء مِمَّن يُرجى نفعه لأعمالها، وتضع اللجنة منهاجًا كاملاً مفصلاً لتنفيذ المشروع، سواء من الناحية القرآنية، أو ناحية التسجيل الفني، أو من الناحيتين التمويلية والإدارية، كما تحدد المساعدات الممكن الحصول عليها من الجهات الحكومية والشعبية المختلفة، وكذلك تتولى اللجنة ترشيح أعضاء اللجان التي يعهد إليها باختيار علماء القرآن الكريم ممن يقومون بالتسجيل.

كما اقترح السعيد أن يشمل التسجيل دروسا عملية في أحكام التجويد بطريقة سهلة تمكن جمهور المستمعين من الانتفاع بها، وأن يقوم على التلاوة علماء فن التجويد والقراءات، والقراء المهرة من أصحاب الأصوات الجيدة والأداء المتقن، وأن تختارهم لجنة لها خبرتها في القرآن وعلومه، يشارك فيها الأزهر الشريف والهيئات العلمية واللغوية والثقافية.

رائج :   طالما الإنسان أصله قرد، ليه لسة فيه قرود ؟

المصحف المرتل

اختمرت الفكرة ووضع الدكتور السعيد معالمها ولاقت قبولا واستحسانا، ورحب بها الأزهر الشريف، وأبدى الإمام الأكبر محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر آنئذ ارتياحه ورضاه عنها.

وفي البداية أطلق الدكتور لبيب السعيد على مشروع تسجيل القرآن الكريم اسم “المصحف المسموع”، ولكن الشيخ شلتوت اعترض على اسم المشروع، وقال:

إن العامة تجعل (المسموع) مرادفًا ل(المشهور)، ولذلك يرى تغيير الاسم، ففكر الدكتور لبيب السعيد في تغيير الاسم، وورد على خاطره صفات مثل: الْمرتل، الصائت، الناطق، فاختار الْمرتل.

وأراد السعيد أن يأنس بقبول الرأي العام حول التلاوة المرسلة التي سيسجل بها الجمع الصوتي حيث لم تكن مشهورة وقتها؛ فطلب من الشيخ محمود خليل الحصري أن يقرأ بها في حفل أقيم بقاعة المحاضرات الكبرى بالأزهر، فلاقت هذه التلاوة قبولا عند الحاضرين.

واحتاج هذا المشروع العظيم إلى تمويل عالٍ، ولمّا لم يكن في طاقة جمعية المحافظة على القرآن الكريم الإيفاء بالتمويل، اتفق السعيد مع الإذاعة المصرية على التسجيل في أستديوهاتها، مقابل أن يكون لها الحق في أن تذيع من محطاتها ما يتم تسجيله لديها.

وبعد هذا الاتفاق دعا لبيب السعيد 3 من أشهر القراء والعلماء للبدء بالتسجيل، وهم: الشيخ محمود خليل الحصري، واتفق معه أن يسجل القرآن برواية حفص عن عاصم، والشيخ مصطفى الملواني، وكان حاذقا في القراءات، واتفق على أن يسجل رواية خلف عن حمزة، والشيخ عبد الفتاح القاضي، وكان يشغل رئيس لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف، واتفق على أن يسجل قراءة أبي جعفر برواية ابن وردان، وهي من القراءات العشر، وفي الوقت نفسه يشرف على التسجيل.

نجح لبيب السعيد في التسجيل، ورأى أن يمضي الشيخ محمود الحصري في تسجيل رواية حفص، وفق الشروط والضوابط التي وضعتها اللجنة المشرفة على التسجيل، وكانت تضم أساتذة فن التجويد والقراءات في مصر، يتقدمهم الشيخ عامر عثمان.

ولم يكن التسجيل هينا، فمع امتياز الشيخ الحصري في القراءة، فإن اللجنة كانت تستوقفه كثيرا ليعيد التسجيل على النحو النموذجي المطلوب.

وبعد الانتهاء من التسجيل بدأت مرحلة طبع أسطوانات المصحف المرتل، وانتهت في ( 10 صفر 1381هـ الوافق 23 يوليو 1961م) حيث بدئ في توزيع المصحف المرتل للمرة الأولى في تاريخ الإسلام.

وأذيع المصحف المرتل من الإذاعة المصرية بالقاهرة للمرة الأولى في صباح (الإثنين 8 من ربيع الآخر 1381هـ الموافق 18 سبتمبر 1961م) إيذانا بعهد جديد للمصحف الشريف، وإعلانا عن نجاح الخطوة الأولى في مشروع “الجمع الصوتي” للقرآن الكريم.


رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || الزائر

مراجع:

  • ـ مباحث في علوم القرآن ـ الشيخ مناع القطان رحمه الله
  • ـ إسلام أون لاين
  • ـ شبكة مزامير آل داود
  • ـ موقع الدكتور محمد شرعي

مقالات ذات صلة