قال عصام للسكرتيرة الصارمة مكفهرة الوجه: – «بعد تلك الأعوام مع زوجتي صفاء تم الطلاق أخيراً .. على رأي الممثل وودي ألين، كانت هذه هي اللحظة الوحيدة التي شعرنا فيها بسعادة مشتركة .. لقد استبدت بنا النشوة حتى شعرت أنها أجمل مخلوقة في العالم. الطلاق!.. ما أروعه!…. أنا حر أخيراً. لكني بعد عام من الوحدة بدأت أشعر بالحاجة إلى أنثى.. هل سمعت أغنية (يحتاج الأمر إلى امرأة .. حبيبة أو عشيقة أو زوجة)؟»
قالت السكرتيرة في برود:
– «لا»
– «حسن .. هناك أغنية تقول (يحتاج الأمر إلى امرأة .. حبيبة أو عشيقة أو …)».
– «لقد سمعت .. أكمل من فضلك».
أحمر وجه عصام .. ثم عاد يستكمل كلامه:
– «هكذا بحثت وبحثت حتى وجدت هذا المكتب .. إن البحث عن شريك حياة بالكمبيوتر أمر رائع .. لا بد أن الكمبيوتر لا يرتكب أخطاء. عرفت أن أتعابكم باهظة، لكن هذا لا يهمني .. سوف تنسيني عينا زوجتي القادمة آلام الإفلاس».
بسرعة عملية غيرت السكرتيرة شاشة الكمبيوتر ليظهر ما يبدو كاستبيان، وبدأت تسأل:
– «ما هي الصفات التي تريدها في زوجتك القادمة؟»
فكر بعض الوقت ثم قال في شوق:
– «أريدها رائعة .. رائعة في كل شيء .. ليس أبسط من هذا».
– «هذه ليست إجابة .. لو وجدنا هذه الرائعة لوجدناها تبحث عن رجل رائع .. ليس انت بالتأكيد».
ابتلع الإهانة وحك ذقنه مفكراً .. هذه البومة الشمطاء لا تترك فرصة حتى تسلقه بلسانها. ثم قال في حذر:
– «هي غير زوجتي في كل شيء .. سمراء نوعاً .. دقيقة القد .. لها شعر ناعم جميل .. ذكية كالأبالسة .. ناعمة هشّة كالقطط الوليدة ..نسيت أن أقول إنني أريدها مهذبة لا تسخر من الناس».
ضغطت الفتاة بسرعة البرق على بعض الأزرار. ثم ناولته ورقة وإيصالاً، وقالت له أن ينتظر مكالمة هاتفية منها خلال أيام. عاد لبيته وهو يتحرق شوقاً. بعد أيام اتصلت به السكرتيرة وأعطته عنواناً في الجيزة في حديقة الحيوان ليقابل زوجته القادمة. هكذا رتب الكمبيوتر اللقاء. ذهب هناك ووقف لساعة كاملة جوار قفص القرود ولم يظهر أحد. اتصل بالسكرتيرة غاضباً يقول إن أحداً لم يظهر .. قالت له إنها ستتحقق من شخصية الزوجة المختارة .. بعد قليل اتصلت به:
– «الزوجة المقبلة هي القردة التي في القفص أمامك. سمراء دقيقة القد لها شعر ناعم جميل وذكية وهشة..».
أطلق سيلاً من السباب بسبب هذه المزحة السخيفة، فاعتذرت لأن هذا ليس خطأها لكنه خطأ الكمبيوتر .. ووعدته بأن تجرب من جديد..
بعد أيام اتصلت به تخبره أن الزوجة الموعودة في المكتب عندها .. هي تناسب كل طلباته. ذهب إلى المكتب وقلبه يخفق، وجلس أمام السكرتيرة الشمطاء ينتظر..
– «أين هي الزوجة؟»
لاحظ أنها تضع أحمر الشفاه بكثرة، وترتدي ثوباً تعتقد انه مغرٍ. قالت له وهو لا يصدق لأذنيه:
– «لقد وجد الكمبيوتر الزوجة المناسبة لك .. إنها أنا !..»
لاحظ في رعب أنها سمراء دقيقة القد.. وأن شعرها ناعم .. لكن من قال إنها ذكية أو هشة ؟.. في الواقع هي مرعبة فعلاً.
هب موشكاً على الفرار فصاحت في جدية:
– «ليكن .. لا تهرب .. سوف نجرب مرة أخرى .. سوف يبحث الكمبيوتر عن زوجة مناسبة لك وسط النساء اللاتي جئن هنا يطلبن عريساً وتركن صفاتهن. سوف ننجح هذه المرة أعدك».
عاد إلى بيته شاعراً بالتوتر .. لقد ارهقه هذا البحث فعلاً. لو تزوج فلن يستطيع أن يبدأ حياته الجديدة. بعد أيام اتصلت به السكرتيرة تدعوه للقاء زوجته القادمة في نادٍ معروف.
ذهب متوجساً للموعد .. رآها جالسة جوار حوض أزهار وهي تشرب الليمون. هذا الوجه .. هذا الشعر! صاح في ذهول:
– «سلوى!».
– «مراد ؟؟؟».
هذه زوجته السابقة طبعاً … لم يكن اسمه عاصم ولم يكن اسمها صفاء .. المرء لا يترك اسمه الحقيقي لدى كمبيوتر زواج.قال لها محتجاً:
– «أنا طلبت زوجة سمراء.. دقيقة القد .. لها شعر ناعم جميل .. ذكية كالأبالسة .. ناعمة هشَّة كالقطط الوليدة . مهذبة .. أنت طويلة ضخمة كفرس النهر وقحة وغبية».
– «ربما لم أكن أمينة جداً في ملء الاستمارة .. وأنت زعمت انك رشيق فارع القامة أزرق العينين رياضي جداً . هذا ما طلبته أنا بالضبط وأنت لا تملك صفة واحدة من هذا».
جذب كرسياً وجلس .. وقال ضاحكاً:
– «يبدو بالفعل إننا سنعود لبعضنا .. لقد كان الكمبيوتر أذكى مما توقعنا، والمثل يقول (جوزوا مشكاح لريما .. ما على الاتنين قيمة)… نحن أصلح وغدين لبعضنا. كما أن الكمبيوتر خمن أن بيننا صفـة مشــتركة مهمة: هي الكذب !!».