فكر و ثقافةقصص وعبر

الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 3)

وماذلنا في سيرة طغاة التاريخ وجبابرتهم وكيف كانوا ولماذا كانوا واليوم نستمر في سرد تلك النماذج خاصة التي حفل بها التاريخ العربي ..

تقى .. ورع .. حافظاً للقرءان و كان معلماً له .. ذو شجاعة و إقدام .. فصيح اللسان .. خطيب رائع .. ظلوماً .. جباراً .. خبيثاً .. سفاكاً للدماء .. من كثرة سفكه للدماء لقب بالمبيد .. نتحدث هنا عن أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفى ..

ولد الحجاج عام 41 هجرياً و عمل فى بداية حياته معلماً للحديث و القرءان الكريم إلا أن وظيفته لم ترضى طموحه و هو صاحب الرؤية العسكرية الثاقبة .. فى زمن الفتنة و إختلاف الآراء حول من تكون له الخلافة قرر الحجاج الإنطلاق إلى الشام مركز الخلافة الأموية التى كانت على وشك الإنهيار بعد وفاة مروان بن الحكم ..

وصل الحجاج إلى الشام و إذ كانت الخلافة فى أسوأ حالاتها .. سوء تنظيم .. استخفاف أفراد الشرطة بالنظام و عدم تطبيق القانون كما يجب فانضم إلى جهاز الشرطة و أبدى نباهة و حسن تدبير فقربه روح بن زنباع قائد شرطة الخلافة إليه و قدمه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان فعينه الخليفة قائداً للشرطة فأسرف فى عقوبة المتهاونين حتى ضبط أمورهم و لم يبقى متهاون فى جهاز الشرطة إلا جماعة روح بن زنباع نفسه .. قرر تحذيرهم فى البداية فلم ينتهوا فما كان منه إلا أن قبض عليهم و حبسهم ثم أحرق خيامهم و سرادقهم .. بعد تلك الحادثة إستقامت الشرطة تماماً تحت قيادة الحجاج ..

أثناء محاربة عبد الملك بن مروان للخارجين على الدولة قرر تسيير الجيوش تحت إمرة الحجاج و كان أهل الشام لا يخرجون للقتال فطلب من الخليفة أن يتركهم إليه ففعل فنادى الحجاج بين الناس :

أيها الناس .. أمهلكم ثلاثاً .. أيما رجل قدر على حمل السلاح و لم يخرج معى فإنى قاتله .. و حارق داره .. و ناهب ماله ..

بعد مرور الثلاث أيام طاف بالبيوت باحثاً عن المتخلفين و اختار أحد أكثر المعارضين له و قتله .. بعدها خرج معه كل الرجال بالجبر لا بالإختيار ..

الحجاج كانت له تصرفات شنيعه أبرزها على الإطلاق حادثة قتل عبد الله بن الزبير فى مكة حيث ذهب لقتاله و حاصر مكة لشهور حتى استطاع القبض على عبد الله بن الزبير ثم قام بصلبه و قتله و له قصة شهيرة مع أمه أسماء بنت أبى بكر الصديق حينما واجهته بالحجة فلم يجرؤ على إيذائها .. جدير بالذكر أنه أثيرت شائعات على الحجاج أنه قام بضرب الكعبة بالمنجنيق و هو أمر لم يحدث مطلقاً طبقاً لشيخ الإسلام بن تيميه و أن هذا إدعاء من الشيعة ضده لا أكثر ..

بعد فتره ولاه الخليفة على العراق و كان كارهاً لأهلها و قال فيهم أقوال مأثورة منها خطبته الشهيرة فى بداية حكمه و وصفه لأهل العراق بأبشع الأوصاف أبرزها على الإطلاق :

( يا أهل العراق .. يا أهل النفاق و الشقاق و مساوىء الأخلاق )

و تحذيره لهم حين قال :

( و الله يا أهل العراق إنى لأرى رؤوساً قد أينعت و حان قطافها و إنى لصاحبها و الله لكأنى أنظر إلى الدماء بين العمائم و اللحى )

قتل الحجاج الآلاف من المسلمين و كثير منهم كانوا أتقياء و أبرزهم سعيد بن جبير و قصته الشهيره معه .. قال فيه المؤرخون الكثير و لكن أبرز ما قيل فيه هو ما قاله الامام الذهبى حين قال :

( كان ظلوماً جباراً خبيثاً سفاكاً للدماء و كان ذا شجاعة و إقدام و مكر و دهاء و فصاحة و بلاغة و تعظيم للقرآن .. إلى أن قال : فلا نسبه و لا نحبه .. بل نبغضه فى الله فإن ذلك من أوثق عرى الايمان و له حسنات مغمورة فى بحر ذنوبه و أمره إلى الله و له توحيد فى الجُملة و نظراء من ظلمة الجبابرة الأمراء )

توفى الحجاج فى العشر الأواخر من رمضان عام 95 هجرية بسرطان المعدة كما يٌعتقد و كانت له مقوله شهيرة قبل وفاته حين قال :

( اللهم اغفر لى فإنهم زعموا أنك لا تفعل )

بعد وفاته قال عنه عمر بن عبد العزيز و كان يبغضه أشد البغض :

( و الله ما حسدت الحجاج عدو الله على شيىء حسدى إياه على حبه القرءان و إعطائه أهله عليه و قوله حين حضرته الوفاه .. اللهم اغفر لى فإنهم زعموا أنك لا تفعل )

وننتقل الدولة الفاطمية فى القاهرة عام 375 هجرية .. فى ذلك العام سيولد أبو على المنصور بن العزيز بالله أو كما هو معروف تاريخياً بإسم الحاكم بأمر الله

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || العقاب

هو سادس حكام الدولة الفاطمية و أغرب حكام مصر عبر التاريخ .. فقد تولى الحكم و هو فى الحادية عشر من عمره و كان تحت وصاية الوزير برجوان .. وكان برجوان يطمع فى الحكم و كان يعامل الحاكم معاملة سيئة و كان يطلق عليه لقب (الوزغة) أي السحلية لدمامته .. و خطأ برجوان أنه لم يتخلص منه و تركه حياً .. يبدو أن ذلك الخطأ ستدفع مصر كلها ثمنه لاحقاً ..

ففى سن الخامسة عشر تولى مقاليد الحكم رسمياً و كان أول قراراته هو إستدعاء برجوان قائلاً :

( الوزغة الصغيرة قد صار تنيناً عظيماً و هو يدعوك )

جاءه برجوان يرتعد و إذا به يأمر بقطع رأسه .. تلك كانت البداية فقط فقد روى عنه لاحقاً بعد زواجه و إنجابه قتله لصبى صغير يدعى مرجان كان شبيهاً بولده .. دخل عليه أحد قادته صدفة فرآه و هو يمسك رأس الفتى بعد أن حزها بالسكين و بقر بطنه حتى تدلت أمعائه منها ففر هارباً و كتب وصيته و بعد ساعة إذا بجنود الحاكم يلحقونه و يقتلوه .. فعله مثل تلك كانت بداية خلافه مع أخته ست الملك ..

كان الحاكم بأمر الله قد تولى الحكم صغيراً و بسبب الثناء المبالغ فيه ممن حوله فقد أصابه جنون العظمة و هو ما استغله بعض أدعياء الدين القادمين من بلاد الفرس مثل محمد بن إسماعيل الدرزى وحمزة بن أحمد .. أوحيا إليه بأن يكون فى منزلة أعلى من الملك .. أنت يجب أن تكون إلهاً .. وافقهم الحاكم على ذلك و أمر رعيته بالوقوف إحتراماً له كلما ذكر الخطيب إسمه على المنبر و كان أهل مصر إذا قام خروا له سجداً حتى وصل الأمر إلى السجود له فى الأسواق إذا مر منها .. زاد بعض الجُهال أنهم إذا رأوه قالوا : يا محيى يا مميت .. يا واحد يا أحد ..!!

رائج :   أزمة سد النهضة .. إزاي وصلنا ” للطريق المسدود ” ؟ و الحلول المطروحة ؟

ذلك الجنون أوحى له بأفكار أكثر جنوناً فمثلاً :

قتل قادته و وزراءه و على رأسهم ابن عمار و الحسين بن جوهر الصقلى

أمر الناس بالخروج ليلاً فخرج الناس و أوقدوا الشموع و غنوا و لعبوا و تباهوا بالمسكرات فلما زاد الأمر عن حده أمر بألا تخرج النساء بعد العشاء ( ثم منعهم من الخروج نهائياً لمدة ثمان سنين ) و منع الرجال من الجلوس على المقاهى

أمر بسب الصحابة الكرام و أمر بكتابة ذلك فى المساجد و كان شعاره ( من لعن و سب فله دينار و اردب ) ثم تراجع عن هذا بعد عامين

منع صلاة التراويح عشر سنين ثم أباحها مرة أخرى بعد أن قتل شيخاً جمع المصلين ليصلى بهم و منع صلاة الضحى و الزكاة أيضاً

أنشأ المدارس و جعل فيها الفقهاء ثم أغلقها و قتلهم

أمر بإغلاق الأسواق نهاراً و العمل ليلاً

مر يوماً بأحد الحمامات فسمع أصوات النساء من الداخل فسد عليهم الباب بالحجارة ثم أضرم النيران فى الحمام

عرف عنه أنه كان يجمع بعض النساء و يضعهم فى صناديق ثم يثقلها بالحجارة و يرميها فى النيل كنوع من التطهر

منع الخمر فشربها الناس فى البيوت خلسه فسمع بهذا الأمر فأمر بقطع كل أشجار العنب – حوالى مئة ألف شجرة – و تم وطأ العنب فى الطرقات تحت أرجل البقر و أراق أكثر من خمسة آلاف جرة عسل فى النيل خشية إستخدامها فى صناعة الخمر و منع التجار من بيع العنب و الزبيب

منع الناس من أكل الملوخية متعللاً بأن معاوية بن أبى سفيان يحبها .. و حرم أكل الجرجير متعللاً بأنه كان يقدم فى طعام السيدة عائشة رضى الله عنها و نهى عن أكل المتوكلية لنسبتها إلى الخليفة العباسى المتوكل .. منع أيضاً الترمس و أم الخلول و القرع و السمك الذى لا قشر له

منع عجن الخبز بالأقدام و منع ذبح البقر التى لا عاقبة لها إلا فى أيام الأضاحى

منع لعب الشطرنج و النزهة على النيل

قرر أن يؤذن لصلاة الظهر فى السابعة و العصر فى التاسعة

أمر بقتل الكلاب فقتل منها عدداً لا يحصى و ألقيت جثثهم فى النيل

لبس الصوف سبع سنين و امتنع فيهم عن الإستحمام فى الحمام و عاش سنين يجلس فى ضوء الشموع ليلاً و نهاراً ثم عاش سنيناً أخرى فى الظلام دون شموع

كان يسير فى الأسواق و إذا لمح تاجراً يغش أمر عبده الأسود مسعود بأن يفعل معه الفاحشة الكبرى و كان يتم فعل ذلك فى السوق أمام أعين الناس

كان يكتب بعض الأوامر على ورق ثم ينثره فى يوم ذى رياح و كل من تصله ورقة من تلك عليه أن ينفذ ما فيها و كان يراقب تنفيذ الناس للأوامر بنفسه

صنع صنماً من الذهب يشبه أبو الهول استخدمه فى إقناع شعبه بقدراته فكان يسرق من الناس ذهبهم حتى يأتونه مستنجدين به فكان يقول لهم أنه سيعلم من هو السارق فكان يضع أحد أتباعه داخل الصنم ثم يحدثه فيخبره تابعه بالمكان الموجود فيه الذهب و عندما يجده أصحابه يصدقون فى قدراته

أمر اليهود و النصارى بربط أحزمة سوداء حول وسطهم و ألبسهم عمائم سوداء و جعل النصارى يحملون صلباناً ثقيلة طولها ذراعاً و نصف و وزنها خمسة أرطال و جعل اليهود يحملون مجسماً لرأس عجل كناية عن العجل الذى عبدوه و منعهم من ركوب الخيل و جعل لهم حمامات خاصة بهم و أمرهم بدخول الحمام بصلبانهم و منعهم من إستخدام النبيذ فى قرابينهم و منعهم من دق أجراسهم و محى الصلبان من أياديهم بالكى و هدم الكنائس و الأديرة و قيل أن عدد الكنائس و الأديرة و المعابد التى هدمها حوالى 30 ألف و منعهم من الحديث باللغة القبطة و قطع لسان كل من تحدث بها حتى اندثرت

رائج :   سيرة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) || الجزء الثامن

لما كره الناس أفعاله قاموا بصنع مجسم من الورق على هيئة إمرأه تحمل ورقه فيها سباباً له و للفاطميين كلهم فلما قرأ الورقة أمر بقتل المرأة فلما اكتشف أنها مصنوعة من الورق ثارت ثورته و أمر عبيده السود بحرق مصر فإستمرت الفتنة ثلاثة أيام اقتتل معهم بعض الرجال و احتجب عامة الناس فى المساجد يدعوا الله لينجيهم من ذلك الأمر .. احترق ثلث مصر تقريباً وقتها و نهب نصفها و سبى نساء كثر لا يحصوا و اضطر رجالهم بعد إنتهاء القتال أن يشتروهم ..

اختفى الحاكم بأمر الله عام 411 هجرية و رَجُح قتله على يد أخته التى تآمرت ضده مع أحد جنوده بعد أن إتهمها بالزنا و على الرغم من وضوح موته ذلك الوقت إلا أن الطائفة الدرزية و بعض طوائف الشيعة تظن أنه فى غيبة و سيعود يوماً ما مثلما سيعود المهدى المنتظر .. !!!

مات الحاكم بأمر الله بعد 25 عاماً فى سدة الحكم رأى فيها المصريون ما لم يروه حتى فى عهد الفراعنة .. لم أجد أوضح مما قاله الذهبى فى تاريخه حين قال :

( كان الحاكم جواداً سمحاً خبيثاً ماكراً ردىء الاعتقاد سفاكاً للدماء قتل عدداً كبيراً من كبراء دولته و كان عجيب السيرة يخترع كل وقت أموراً و أحكاماً يحمل الرعية عليها )

Related Articles