اليابان من الدول الفريدة في أشياء عديدة، من ثقافتها التي تتسم بالتفرد أحيانا والغموض في أحيان أخرى، إلى لغتها المكونة من ثلاثة أنواع من طرق الكتابة، والتي تعطي انطباعا بالصعوبة والتعقيد للوهلة الأولى.
هذه الدولة الفريدة كانت ولا تزال تجذب اهتمام العديد من الناس حول العالم وتفتح شهيتهم نحو البحث والتنقيب في أسرارها الدفينة والغوص في أعماق تاريخها الغني بالأحداث التي لم تؤثر عليها فقط بل وامتد هذا التأثير ليشمل العالم أجمع.
قد يهمك:
بدايات غزو اليابان للصين أثناء الحرب العالمية الثانية ونشأة الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية
كوكب الخرافات
إنه “كوكب اليابان”. هناك “وزير الطاقة ينحني لمدة 20 دقيقة أمام عدسات المصورين اعتذاراً عن انقطاع الكهرباء للمدة نفسها”، “المرتبات الشهريّة لعمال النظافة تساوي مرتبات وزراء الحكومة”، و”أقنعة خاصة بالمدخنين تعزلهم عمّن حولهم منعاً للضرر”.
يتداول سكان العالم العربي مثل تلك الأخبار الآتية من “منبع الشمس” (معنى كلمة يابان) بدهشة واحترام مُفرطين، ويمهرونها عادة بعبارة “كوكب اليابان” للدلالة على حجم المسافة الزمكانيّة التي تفصله عن عالمهم. وفي لعبة المقارنة تلك، تحوّل البلد إلى أسطورة. فيما يتناقله العرب عن هذا البلد الشرق آسيوي “تطرّف”، جماليّ وتقنيّ، جعله يصلح ليكون الضدّ المثالي الذي يظهر القبح العربي.
“كوكب اليابان”.. تحت هذا المسمى المبهر تم نسب كم هائل من الخرافات لليابان سواء عن قصد أو عن جهل بما يدور في هذا البلد الفريد. وباسم مدح اليابان تم نسب كل ما هو غريب، أو فوتوشوب، أو حتى قصص وهمية وخرافية مثل أفلام هوليوود لليابان واليابانيين!
ربما في الماضي كانت انتشار القصص والحكايات فقط عن اليابان والتي يتم تداولها وتناولها من شخص لأخر، لكن مع ظهور الإنترنت وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي أصبح انتشار الإشاعات والأخبار المزيفة أسرع، أقوى، وذو تأثير لا يمكن حتى تصوره في بعض الأحيان.
وهناك العديد من الأمثلة للخرافات والأخبار الملفقة التي تمس اليابان والتي تم تداولها بشكل واسع حول العالم، مثل إشاعة أن هناك مطعم تم افتتاحه في طوكيو يقدم لحوم البشر، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل هناك من تطوع وصنع صورا بالفوتوشوب لهذا المطعم المزعوم…!
و أيضا هذا الخبر الملفق عن أن مدينة “إيغا” تبحث عن توظيف النينجا مقابل دخل يصل إلى 85 ألف دولار سنويًا! وهو ما دعا المدينة في نهاية المطاف لنفي هذا الخبر الكاذب عبر موقعها الرسمي، بعد تلقيها العديد من الطلبات عبر البريد الإلكتروني من أجانب يودون الظفر بوظيفة النينجا هذه وراتبها السخي.
اليابان والعرب.. خرافات متبادلة
في الوطن العربي حيث تنتشر المجالس التي يتم فيها التونس والتحدث والتطرق لكافة الموضوعات هنا وهناك، تنتشر العديد من الخرافات أو قل الأخبار المكذوبة عن اليابان -ورغم أن اليابان تقع في القارة الآسيوية التي تحوي دولا عربية- إلا أن الشعور الغالب عن اليابان أنها “كوكب” بعيد ولا ينتسب لهذا العالم. ربما هذا التوصيف والمدح لا يعجب اليابانيون أنفسهم بالمناسبة.
ويتم ضرب المثل باليابان في التقدم والتكنولوجيا والعلم والأدب والنظام. لكن مع الخيال الواسع نجد أن مثلا صورة لرئيس شركة هوندا ينحني – على الطريقة اليابانية في مؤتمر صحفي- لسبب ما لا أعلمه يتم التعريف بها على أنها “وزير الكهرباء الياباني ينحني 20 دقيقة لانقطاع الكهرباء في طوكيو” ! لو كان هذا حقيقيا لمات الرجل بسبب طول فترة الانحناء هذه، لكن يبدو أن الحبكة الدرامية للموقف كانت تحتاج ذلك. لكن لماذا 20 دقيقيه؟ سؤال أتمنى من صانع هذا الخبر الكاذب أن يجيبني عليه يوما ما إذا صادف وتقابلنا.
اليابانيون أيضا لديهم تخيل واسع عن العرب بل أحيانا ترتقي للخرافات، مثل أن هناك دولا عربية تستخدم الجمال في التنقل، أو أن غالبية العرب أغنياء بفضل البترول، وكل عربي لا بد أن يلبس الجلباب، وغيرها من القوالب المحفوظة التقليدية عن الشكل أو الشخصية العربية. إذا الموضوع من الجانبين! وهناك خرافات يبنيها كل طرف عن الأخر بعضها لها أصل في الواقع والبعض الأخر من الخيال.
قد يهمك: المعجزة الاقتصادية اليابانية … شعب من كوكب أخر
لماذا تنتشر الخرافات عن اليابان؟
هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء هذا الكم الرهيب والمبالغ فيه من الأخبار والقصص الملفقة عن اليابان التي تنتشر حول العالم وفي العالم العربي على وجه الخصوص، وتتلخص تلك الأسباب فيما يلي:
1- ضعف الاتصال والاحتكاك الثقافي بين الجانبين واقتصار التعاون على الجانب الاقتصادي وأحيانا السياسي بشكل أكبر.
2- عدم وجود الوعي الكافي لدى اليابان بخطورة تلك القصص المزيفة وتأثيرها الخطير عليها وعلى اسمها وسمعتها الخارجية لدى شعوب العالم.
3- افتقاد اليابان للآلية التي تقوم عن طريقها بالتعريف باليابان بالشكل الذي يتماشى مع متطلبات العصر الحالي (مواقع التواصل الاجتماعي، برامج تلفزيونية، مخاطبة دول العالم بلغاتها).
4- البحث عن الشهرة وزيادة عدد المتابعين يدفع البعض لتلفيق الأخبار والتي تنتشر كالنار في الهشيم.
5- النقد غير المباشر للمجتمع، على سبيل المثال قصة انحناء وزير الكهرباء المختلفة التي سبق ذكرها، والتي تستخدم في العديد من الدول العربية للإسقاط على غياب الكهرباء وانقطاعها المتزايد، أو كيف أن حتى الوزير “يعتذر” في اليابان.
6- عدم التحقق من المعلومات في ظل التدفق الرهيب للمعلومات عبر الإنترنت، مما يجعل البعض يقوم بالنقل فقط دون مراجعة المعلومات من جهات موثوقة.
هل تختفي القصص الملفقة؟
إن اختفاء القصص الملفقة أمر صعب للغاية في ظل الأوضاع الحالية وطريقة التعامل معها من الجانبين. لكن ربما الأمل في الأجيال القادمة التي ولدت ونشأت في عصر المعلومات والإنترنت، فإذا قام الأفراد بالتحقق مما يقرأون بالبحث ولو قليلا ربما تخفت وتقل تلك القصص. كما أن الدولة اليابانية عليها دور هام عليها أن تقوم به ويتلخص في إيجاد الطرق المناسبة والآليات الفعالة التي تمكنها من محاربة ووأد تلك القصص الملفقة في مهدها قبل أن تنتشر وتصبح أمرا واقعا يصعب معه التخلص منها، وتصبح اليابان أسيرة لتلك الخرافات.
وهناك في هذا الصدد العديد من التجارب الفردية والفريدة التي يقوم بها دبلوماسيون يابانيون بالتعريف باليابان بطريقة قريبة من عقول وقلوب الناس، لكن لم تصبح هذه التجارب الناجحة بعد سياسة عامة واتجاه تتبناه الدولة. ربما في المستقبل تستطيع اليابان التعبير عن نفسها وتعريف العالم بثقافتها بالشكل الأمثل الذي يحفظ لها كيانها ويقربها من شعوب العالم، لتصبح فقط “اليابان” وليس هذا “الكوكب” البعيد عن الناس.