تاريخقصص وعبروعي

سلسلة المماليك : سيف الدين قطز

قهر المغول وطعنه الرفاق كان المشهد الأخير من قصة بطل معركة عين جالوت حزينا مثيرا للشجن والتأمل، فبينما كان السلطان المظفر سيف الدين قطز في طريقه إلى القاهرة التي كانت تنتظره بالزينات وتستعد لاستقباله بما يليق، كان القدر يخفي له مؤامرة نفذها شركاؤه في النصر الذين استكثروا عليه أن يرى نشوة النصر في عيون مستقبليه، ويستشعر عظمة ما صنع لأمّته.

فلقي حتفه على يد بيبرس في الصالحية في(23 من أكتوبر 1260م). ويبدو للناظر في حوليات التاريخ التي احتفظت بتفاصيل حياة هذا البطل أنه قد جاء لأداء مهمة عظيمة ومحددة، فما إن أداها على خير وجه حتى توارى عن مسرح التاريخ بعد أن خطف الأبصار وجذب الانتباه إليه على قِصر دوره التاريخي، لكنه كان عظيما وباقيا، فاحتل مكانته بين كبار القادة وأصحاب المعارك الكبرى.

والتاريخ لا يعتد بحساب الأزمان والأيام، وإنما يعتد بحجم التأثير الذي يتركه الرجل وإن كانت حياته قصيرة؛ فكثير ممن حكم و أمضوا عشرات السنين دون أن يلتفت إليهم التاريخ والدليل على ذلك أن عمر بن عبد العزيز تبوأ مكانته المعروفة في التاريخ بسنتين ونصف قضاهما في الحكم، وبقي ذكره حيا في القلوب، وعنوانا للعدل والإنصاف.

أقرأ المزيد: من سير العلماء … الإمام الشافعي

من الرق إلى الإمارة:

تروي المصادر التاريخية أن الاسم الأصلي لسيف الدين قطز هو “محمود بن ممدود”، وأنه ابن أخت السلطان جلال الدين خوارزم شاه الذي تصدى بعد أبيه لهجمات المغول، وحقق عدة انتصارات عليهم، واسترد منهم بعض المدن التي استولوا عليها، لكنه لم يجد عونًا من الدولة العباسية، فتركته يصارعهم دون أن تمد إليه يدًا، حتى نجحت جحافل المغول سنة ( 1231م) في القضاء على دولته التي كانت تقع في جنوبي إيران.

رائج :   ليبيريا مع جورج وياه .. من العبودية إلى الحرية

كان قطز من بين الأطفال الذين تم بيعهم إلى تجار الرقيق، ومضت حياته مثل غيره من المماليك وكل واحد بقدراته ومواهبه ف بلغ بعضهم القمة وتولي السلطة،واصبح غيره اميرا لخمسة ٠٠ وتقص علينا المصادر التاريخية أن قطز كان مملوكًا في “دمشق” ضمن مماليك ابن الزعيم، ثم انتقل إلى القاهرة، وأصبح من جملة مماليك عز الدين أيبك التركماني، وترقى عنده حتى صار أكبر مماليكه وأحبهم إليه وأقربهم إلى قلبه.

قطز و الطريق إلى الحكم

ظهوره على مسرح الأحداث بعد نهاية الحكم الأيوبي في مصر اتفقت كلمة المماليك على اختيار شجرة الدر سلطانة للبلاد، في سابقة لم تحدث في التاريخ الإسلامي إلا نادرًا، غير أن الظروف لم تكن مواتية لاستمرارها في السلطنة، على الرغم مما أبدته من مهارة وحزم في إدارة شؤون الدولة، فلم تجد بُدًّا من التنازل عن الحكم للأمير “عز الدين أيبك” أتابك العسكر الذي تزوجته وتلقب باسم الملك المعز.

ولم تسلس القيادة للسلطان الجديد في ظل ازدياد نفوذ منافسه “أقطاي” الذي تمادى في الاستخفاف بالملك المعز، كأنه ملك متوج، وتطلعت نفسه إلى السلطنة، فاستشعر السلطان الخوف على عرشه ، فعزم على التخلص منه، وأعد خطة لذلك اشترك في تنفيذها أكبر مماليكه (قطز)، فكان ذلك أول ظهور له . ومن تلك اللحظة بدأ يشق طريقه نحو المقدمة. الطريق إلى السلطنة و هيأت الأقدار الطريق لقطز ٠

فلم يكد يهنأ الملك المعز بالتخلص من غريمه أقطاى ومماليكه حتى دب صراع بينه وبين زوجته شجرة الدر، انتهى بمقتلهما، وتولى “نور الدين علي بن المعز أيبك” السلطنة، لكنه كان صبيًا صغيرا٠٠ وأصبحت مقاليد البلاد في يد “سيف الدين قطز” ، وقام بنشر الأمن في البلاد والقضاء على المحاولات الفاشلة للأيوبيين لاسترداد مصر من أيدي المماليك، فزاد ذلك من قوة إحكامه على البلاد.

رائج :   من سلسلة (روايات مصرية للجيب) || الشمس الباردة

انتصارات عظيمة

ثم جاءت اللحظة الحاسمة ليقوم قطز بما ادخره له القدر من الشرف العظيم وتخليد اسمه بين كبار القادة والفاتحين، فكانت الأخبار السيئة تتوالى على القاهرة بسقوط بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله، وسقوط مدن الشام تباعا ب جحافل المغول في يد هولاكو.

وراسل الملك الناصر صاحب حلب ودمشق- المغول- ليتحالف معهم ضد مصر ليساعدوه في استرداد مصر، وعقد مجلسًا بالقلعة حضره السلطان الصبي وكبار أهل الرأي من الفقهاء والقضاة وفي مقدمتهم الشيخ “العز بن عبد السلام“، واتفق الحاضرون على ضرورة المقاومة والجهاد.

لم يعد أمام قطز بعد أن ازداد خطر المغول، وأصبحوا على مقربة من مصر سوى خلع السلطان الصبي، وقبض على الملك المنصور واعتقله بالقلعة هو وأسرته وأعلن نفسه سلطانًا، وبدأ في ترتيب أوضاع السلطنة، لأن هذا الأمر لا يصلح بغير سلطان قوي، وقتل رسل المغولالذين جاؤو يحملون رسائل التهديد والوعيد، ولم يكن أمام قطز الا النهوض بمسئوليته التاريخية تجاه هذا الخطر الداهم.

وبعد قتل الرسل بدأ السلطان في تحليف الأمراء الذين اختارهم، وأمر بأن يخرج الجيش إلى الصالحية، ونودي في القاهرة وسائر إقليم مصر بالخروج إلى الجهاد في سبيل الله ونصرة الإسلام. وفي هذه الأثناء كان الأمير بيبرس البندقداري قد قدم إلى مصر بعد أن طلب الأمان من الملك المظفر قطز، ووضع نفسه تحت تصرفه في جهاده ضد المغول، فأنزله السلطان بدار الوزارة، وأحسن معاملته، وأقطعه قليوب ومناطق الريف المجاورة لها.

أقرأ المزيد: قصة حياة جيفارا || الجزء الأول

اللقاء الحاسم

في عين جالوت سار السلطان قطز بجيوشه بعد أن هيأها للجهاد، وبذل الأرواح في سبيل نصرة الله؛ فوصل غزة، ثم اتخذ طريق الساحل متجهًا نحو بحيرة طبرية، والتقى بالمغول، وكانوا تحت قيادة (كتبغا) في معركة فاصلة في صباح يوم الجمعة الموافق ( 3 من سبتمبر 1260) عند عين جالوت من أرض فلسطين وانتصر المسلمون انتصارا هائلاً بعد أن تردد النصر بين الفريقين، لكن صيحة السلطان التي عمت أرجاء المكان “وا إسلاماه” كان لها فعل السحر، فثبتت القلوب وصبر الرجال، حتى جاء النصر.

رائج :   الحرب العالمية الثانية .. الجزء الثامن || سقوط الرايخ

فلأول مرة منذ وقت طويل يلقى المغول هزيمة ساحقة أوقفت زحفهم، وأنقذت العالم الإسلامي ودخل السلطان قطز دمشق وأقام بقلعتها، وفي غضون أسابيع قليلة تمكن من السيطرة على سائر بلاد الشام، وأقيمت له الخطبة في مساجد المدن الكبرى حتى حلب ومدن الفرات في أعالي بلاد الشام، وتمكن من إعادة الأمن والاستقرار ثم قرر العودة إلى مصر في ( 4 من أكتوبر 1260م).

أقرأ المزيد: الديكتاتورية .. نماذج من الطغاه (الجزء 4)

النهاية الأليمة

ولما بلغ السلطان قطز إلى الشرقية بمصر بقي بها مع بعض خواصه، وهناك دبرت مؤامرة لقتله نفذها شركاؤه في النصر، وكان الأمير بيبرس قد بدأ يتنكر للسلطان ويضمر له السوء، وأشعل زملاؤه نار الحقد في قلبه.

فعزم على قتل السلطان، ووجد منهم عونًا ومؤازرة، فانتهزوا فرصة تعقب السلطان لأرنب يريد صيده، فابتعد عن حرسه ورجاله، فتعقبه المتآمرون حتى لم يبق معه غيرهم، وعندئذ تقدم بيبرس ليطلب من السلطان امرأة من سبى المغول فأجابه إلى ما طلب.

ثم تقدم بيبرس ليقبل يد السلطان شاكرًا فضله، وكان ذلك إشارة بينه وبين الأمراء، ولم يكد السلطان قطز يمد يده حتى قبض عليها بيبرس بشدة ليحول بينه وبين الحركة، في حين هوى عليه بقية الأمراء بسيوفهم حتى أجهزوا عليه، وانتهت بذلك حياة بطل عين جالوت٠

طبعا تعددت الروايات عن السبب الحقيقى لمؤامرة التخلص من السلطان ولكنها حدثت وتم اغتياله فى يوم نصره

 

مقالات ذات صلة