دين و دنيا

سيرة سيف الله المسلول خالد بن الوليد (رضي الله عنه) || الجزء الرابع

ما بعد حنين …

انتهت غزوة حنين و عاد الفارون من المشركين إلى الطائف ليتحصنوا بها و حاصرهم جيش المسلمين لفترة قبل أن ينهوا حصارهم بعد أن نزل الوحى على الرسول يخبره بعدم استطاعتهم فك ذلك الحصار ..

بعد عشرة أشهر ستأتى هوازن و ثقيف ليبايعوا النبى ﷺ على الإسلام .. صارت الجزيرة العربية كلها تقريباً تدين بالإسلام .. لم يبقى إلا الروم و الموالين لهم من الغساسنة ..

حينها حان وقت غزوة تبوك و على الرغم من الصعوبات التي قابلتها من جو شديد الحرارة و قلة المؤن و ضعف التجهيزات حتى انها سميت غزوة العسرة من شدة ما لاقى المسلمين من صعوبات فيها إلا أن النبى ﷺ كان قد أمر بتحرك الجيش لمواجهة الروم فى تبوك قرب الشام ..

هرقل عظيم الروم كان رجلاً مطلعاً و كان يرى فى محمد ﷺ أمارات نبوة فخشى مواجهته فيُهزم فتهتز صورة مملكته و يطمع بها الأعداء فأمر جنوده بتجنب القتال معه على الرغم من وصول جيش المسلمين إلى تبوك ومكوثهم فيها قرابة العشرون يوماً إلا أن الروم لم يأتوا ..

إستغل النبى تلك الفترة لبسط سيطرته على الإمارات القريبة منه و التى كانت لا تزال تدين بالولاء للروم فسيطر على دومة الجندل و إيلة ..

وفاة رسول الله ﷺ

مرت فترة قصيرة قبل أن يمرض رسول الله ﷺ و بدأ يشيع فى أرجاء الجزيرة أن محمداً يعانى من مرضاً شديداً و فى طريقه إلى الموت و هو ما حدث فعلاً ففي العام الحادي عشر من الهجرة توفي رسول الله ﷺ و هو ما فتح باباً جديداً على الدولة الإسلامية الوليدة ..

فى ذلك العام كانت أغلب قبائل الجزيرة العربية حديثة عهد بالإسلام وما كانوا أسلموا إلا لانتصار الإسلام على أعدائه فجاءت وفاة رسول الله ﷺ لتعطيهم الفرصة للارتداد على الإسلام متصورين أن شوكة الإسلام ستضعف بوفاته ..

لم يبقى من الجزيرة مكان لم يصيبه الردة إلا ثلاثة أماكن المدينة المنورة ..  مكة المكرمة .. الطائف .. بدأت الآن مرحلة من أخطر ما يكون فى عمر دولة الإسلام الوليدة ..

حروب الردة

أشكال الردة كانت كثيرة .. بعضهم ادعى النبوة و تبعتهم قبائلهم .. بعضهم أنكر الزكاة .. بعضهم غير فى شكل الصلاة .. بعضهم رفض الإسلام كله ..

قبل وفاة النبى إدعى النبوة الأسود العُنسى و الذى مات قبل وفاة النبى بأيام و طُليحة بن خويلد و سجاح بنت الحارث و مسيلمة بن حبيب الذى اشتُهر بإسم مُسيلمة الكذاب ..

رائج :   قصة أكبر سور القرآن .. قصة البقرة بشكل مبسط

أقربهم للمدينة كان طُليحة الذى كانت له قوات على حدود المدينة حوالى 25 ميل فقط .. المدينة مركز الإسلام صارت فى خطر الآن .. المسلمين كان لهم جيش كبير بالفعل و لكن كان هناك أمراً قد يقلب الموازين كلها ..

النبى ﷺ كان قد جهز جيشاً بقيادة أسامة بن زيد للسيطرة على البقية الباقية من القبائل المسيحية المتحالفة مع الروم و تخييرها بين الإسلام أو الجزية و لكنه مات ﷺ قبل أن يتحرك الجيش فصار المسلمون فى حيرة من أمرهم ..

هل يتحرك الجيش بناءاً على أمر النبى أم يبقى فى المدينة ليدفع خطر طُليحة و جيشه المتربص بهم .. حسم أبو بكر الصديق – رضى الله عنه – ذلك الجدل بتأييده كلام رسول الله ﷺ و عدم مخالفته لأمره

وبالفعل تحرك الجيش و كان فيه خالد .. بخروج الجيش صار قلب الدولة الإسلامية مكشوفاً و لكن بركة الالتزام بكلام النبى ﷺ كان لها مفعولها …

فعندما رأت جواسيس الكافرين خروج الجيش و فيه تلك الألوف إحتار المشركون و قالوا إن الذى يُخرج جيشاً مثل هذا لقتال غيرنا فلابد و أن لديه أضعافه بالداخل فأُلقى الرعب فى قلوبهم و لم يهجموا على المدينة

و لكن حدثت بعض المناوشات البسيطة سيطر عليها خليفة المسلمين أبى بكر الصديق الذى جهز جيشاً صغيراً رد به على تلك المناوشات حتى عاد جيش أسامة بن زيد من مهمته و معها عادت القوة الرئيسية لجيش المسلمين و فى القلب منها خالد ..

مواجهة المرتدين

 بدأ الآن أبو بكر – رضى الله عنه – وضع خطته لمواجهة المرتدين فقرر الآتى :

  • مبادرة المشركين بالهجوم و عدم إنتظارهم حتى لا يتكتلوا على المسلمين
  • تقسيم جيش المسلمين إلى 12 جيش بخلاف جيشين سيبقوا فى المدينة للدعم و الإمداد فى حالة الحاجة إليهم 
  • إختيار جيشاً رئيسياً من الـ 12 جيش لمواجهة كبار المرتدين و البدء بالأقرب ثم الأبعد

لدينا الآن جيشاً رئيسياً هو من سيتحمل العبء الأكبر فى القتال .. ووضع أبو بكر الصديق على رأس ذلك الجيش رجلاً رأى أنه أقدر العسكريين على إدارة دفة الأمور .. وضع عليه سيفاً سَلّه الله على المشركين و المنافقين .. وضع على رأس ذلك الجيش خالد بن الوليد بن المغيرة ..

أول المواجهات كانت مع طُليحة زعيم بنى أسد و الذى حشد للمسلمين عدداً كبيراً من المقاتلين من قبيلته و حلفائها غَطَفَان و طَيىء و جمع تلك القوات فى منطقة بُزاخة شمال شرق المدينة المنورة ..

رائج :   سيرة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) || الجزء الرابع

و قبيلة طيىء لها قصة فى تلك المعركة حيث كان زعيمها عَدِى بن حاتم الطائى على الإسلام و عندما أصر قومه على الكفر تركهم و لحق بخليفة المسلمين فى المدينة فلاحت لأبى بكر خطة بديلة فأمر خالد بالتوجه لطَيىء أولاً قبل مواجهة طُليحة فى بُزاخة وأوصاه بأن يترك فرصة لِعَدى كى يمنعهم من مناصرة طُليحة و هو ما كان ..

حين وصل خالد لقبيلة طَيىء ترك عدياً يجادل قومه فذكّرهم بالإسلام و الجنة و النار فما ارتضوا فلما يئس منهم ذكر لهم خالد و بطولته و قوة من معه فقال :

( يا قوم .. و الله قد جاءكم خالد و تعرفون من هو خالد .. و الله لو لم تستسلموا و تتركوا تبعية طُليحه فشأنكم به )

فتردد القوم قليلاً ثم قبلوا بكلام عَدى و لكن قابلتهم مشكلة أن بعض قواتهم كانت ضمن صفوف طُليحة بالفعل فاستأذن لهم عدى فى مهلة 3 أيام لإخراج رجالهم من جيش طُليحة حتى إذا ما علم أنهم انقلبوا عليه لا يَقتُلهم فحقنت طَيىء دمائها و عادت إلى صفوف المسلمين .. الآن جاء دور طُليحة نفسه ..

لما التقى الجيشان وجد طُليحة خالداً يقود المسلمين فخاف و تراجع و قَدّم عليه حليفه عُيَيْنة بن حصن سيد من سادات غَطَفَان فلما قيل له لم لا تشارك بالقتال قال ( يأتيني الوحي ) و عاد إلى مؤخرة الجيش متظاهراً بأن الوحي يتنزل عليه فلما اشتدت المعركة و رأى عُيَيْنة ما حدث لقومه عاد لطُليحه فقال له :

– أما جاءك جبريل ؟ .. فقال لا 

– ثم عاد مرة ثانية فأعاد سؤاله .. فقال لا 

– ثم عاد ثالثة و أعاد سؤاله.. فقال لا 

– فقال :

( لقد تركك أحوج ما كنت إليه .. يا بنى فُزارة إنصرفوا .. ما هذا إلا كذاب دجال )

فلما لاحت الهزيمة لبنى أسد عادوا إلى طليحه و قالوا له ماذا نفعل .. قال لهم :

( قاتلوا عن أنسابكم .. أما دين فلا دين .. و حمل نفسه على فرسه و حمل زوجته على بعير له و انطلق و تركهم )

تراجعت قوات بنى أسد بعد هروب زعيمهم و انتصر خالد فى معركة بُزاخة و بدأ بعدها التجهيز لدحر فلول المرتدين فإما عودتهم للإسلام و إما قتالهم .. فانتصر بعدها على فلول بنى فُزارة ثم هزم بنو سُلَيم وغيرهم

رائج :   سيرة الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) || الجزء الثاني

فلما شاعت أخبار إنتصارات خالد سمعت بها بعض القبائل التى كانت تنتظر موقف المسلمين إن ربحوا معاركهم عادوا إليهم أما لو العكس فهم اختاروا طريق الكفر مسبقاً من هؤلاء قبائل بنو عامر و هوازن اللذان ذهبوا إلى خالد يستسلموا دون قتال و أعلنوا عودتهم للإسلام مرة أخرى ..

سُلمى بنت مالك بن حذيفة زعيمة قبيلة ظُفر فرع من فروع قبائل غَطَفَان .. سُلمى تلك لها قصة حيث كانت والدتها أم قُرفة زعيمة لقبيلة ظُفَر على عهد النبى ﷺ و حركت بعض القوات ضد النبى و قُتلت فتغنى بها قومها لشجاعتها ..

سُلمى أُسرت فى تلك المعركة و أهداها النبى ﷺ أمةً للسيدة عائشة فلما رأتها السيدة عائشة حزينة و هى سيدة قومها أرادت أن تؤلف قلبها للإسلام فأعتقتها فأسلمت و عادت إلى قبيلتها

فلما عادت ورثت أمجاد والدتها و صارت زعيمة على قبيلتها و بعد وفاة النبى إرتدت و جمعت جيشاً من قبيلتها وباقي قبائل غَطَفَان لمواجهة جيش المسلمين بقيادة خالد .. جاء الآن دور سُلمى و قبيلتها ..

بعد تجهيز الجيوش جعلت سُلمى نفسها فى وسط الجيش و أحاطت نفسها بمئات المقاتلين و اختارت أكثر محاربيها خبرة و قوة و وضعتهم فى مقدمة الجيش فصار الوصول إليها صعباً و عند المواجهة إجتاحت ميمنة و ميسرة المسلمين جيش المشركين

لكن خالد فى الوسط وجد مقاومة عنيفة و دفاعاً شرساً عن سُلمى التى كانت تركب جَمَل و تدير المعركة من فوقه و كلما اقترب أحداً من المسلمين منها وجد عشرات المقاتلين تستبسل فى الدفاع عنها

فتأكد خالد أنه إذا قُتلت سُلمى أو على الأقل سقطت من على جَمَلها فذلك سيكون عامل حسم فى المعركة فأمر مجموعة من خيرة جنود المسلمين بالهجوم مرة واحدة و على هدف واحد ألا وهو جَمَل سُلمى ..

قابلوا بالطبع مقاومة عنيفة حتى وصلوا إليها وعند الوصول إليها قام خالد بقطع ساق الجمل فوقعت أرضاً و قتلوها .. بعض الآثار التى وصفت قوة المعركة قالت :

( يومها قُتل حول جَمَل سُلمى أكثر من مِئة رجل دفاعاً عنها ) 

  • بعد مقتل سُلمى انهارت معنويات جنود ظُفَر و هربوا ثم استسلموا ..
  • بعد ظُفَر كانت المعارك لا تزال مستمرة ..
  • بعد ظُفَر كانت قصة خالد مع #مالك_بن_نويرة ..
  • خالد لم ينتهى بعد و لازال أمامه الكثير ..

و لكن .. تلك قصة أخرى ..

مقالات ذات صلة