بعد الانتشار الواسع لفيروس كورونا في العديد من دول العالم، قامت الكثير من المنظمات حول العالم باتخاذ تدابير وقائية لتجنب انتشار المرض، ولعل أبرز تلك التدابير كانت إجبار الشركات موظفيها على العمل من المنزل وإغلاق المدارس أبوابها أمام مرتاديها، وأصبحت الاستراتيجية البديلة للعديد منهم استخدام الاجتماعات السحابية وخدمات التعاون الجماعي عبر الإنترنت التي تسمح للموظفين بالاستمرار في العمل وللتلاميذ في التعلم.
وتعد منصة برنامج “Zoom زووم ” المتخصصة في تقديم خدمات الاتصال المرئي وعقد المؤتمرات والاجتماعات الافتراضية والندوات والمراسلة الفورية ومكالمات الفيديو للمؤسسات والأفراد عبر الإنترنت، من أكثر المستفيدين من أزمة فيروس كورونا حيث أنها استطاعت أن تجذب أعداد متزايدة من المستخدمين سواء للخدمات المدفوعة أو المجانية، لكم أن تتخيلوا أن سعر سهم شركة زووم في الأول من يناير بلغ 68.72 دولار وظل يرتفع حتى وصل إلى 135.14 دولار للسهم في 24 مارس 2020.
صحيح أن الصعود الضخم لأسهم زووم ربما جاء جراء التأثيرات الضخمة لفيروس كورونا، إلا أن المتابع لمنصة زووم سيرى أن الشركة تسير على خطى متسارعة منذ تأسيسها عام 2011، وقد ظهر ذلك جليا عندما عرضت أسهمها للاكتتاب العام في أبريل 2019 وحققت نجاحا باهرا تفوقت به على الاكتتاب العام لشركات التكنولوجيا البارزة مثل أوبر وليفت Lyft وسلاك Slack.
وعلى الرغم من أن المجال الذي تعمل به منصة زووم يشهد منافسة ضخمة من شركات مثل جوجل وسيسكو، إلا إنها استطاعت أن تصعد إلى الصدارة بقيمة سوقية تبلغ حاليا 37.71 مليار دولار مع توقعات أن تصل إلى 49 مليار دولار بحلول عام 2024، فكيف إذن استطاعت أن تحقق ذلك؟
“إريك يوان” بالرغم من أنه أسس شركة زووم بمفرده من الصفر إلا أنه لم يكن غريبا عن مجال اتصالات الفيديو، ففي عام 1997 انضم “يوان” إلى شركة webex قادما من الصين بعد صعوبات جمة للعمل كمهندس وظل طوال سنوات عديدة يعمل بها باجتهاد ليلا ونهارا إلى أن استحوذت شركة سيسكو على webex مقابل 3.2 مليار دولار عام 2007 لتعرف حاليا باسم Cisco Webex، ومن بعدها أصبح يوان نائب رئيس قسم الهندسة فيها بمرتب “يتكون من ستة أرقام ” ويقع تحت إدارته أكثر من 800 موظف، إلا أنه بحلول عام 2010 أي بعد عامين من تقلده المنصب أدرك أن ذلك لم يكن كافيا له.
المشكلة وفقا ليوان أن الخدمة ببساطة لم تكن جيدة والعملاء لم يكونوا سعداء بها، فوجود عدد كبير من الناس على الخدمة كان يؤدي إلى إضعاف الاتصال وبالتالي تقطع الصوت والفيديو بجانب افتقار الخدمة لميزات حديثة مثل مشاركة الشاشة للجوال، لذلك في 2011 وبعد عام من المحاولات لإقناع رؤسائه بالسماح له بإعادة بناء webex استسلم أخيرا وقرر مغادرة سيسكو التي كانت أكثر تركيزا حينها على الشبكات الاجتماعية.
بعد مغادرة شركة سيسكو والتي كانت مخاطرة كبيرة منه، بدأ يوان في تطوير منصة برمجيات لمؤتمرات الفيديو خاصة به وذلك في نفس الوقت الذي سعى فيه إلى الحصول على التمويل اللازم لبناء المنتج وإطلاق الشركة.
في البداية طلب من صديقه المستثمر الملائكي “دان شاينمان” شيك بمبلغ 250 ألف دولار لدفع رواتب 30 مهندس، بعضهم في الصين، قام بتعيينهم لخلق تكنولوجيا جديدة لاتصالات الفيديو، وبعدها استطاع إقناع كلًا من المدير التنفيذي السابق لشركة Webex وشركة TSVC لرأس المال المغامر بتمويل شركته الناشئة بمبلغ 3 مليون دولار.
ومن مكتب متهدم في منطقة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، بدأ يوان مع موظفيه تطوير خدمة زووم والتي كانت تحمل عند إطلاقها عام 2013 اختلافات أساسية عن منافسيها في السوق:
• يمكن أن يكتشف موقع الويب خفيف الحركة الخاص بها على الفور نوع الجهاز الذي يستخدمه العميل وهذا يعني أن زووم لم تكن بحاجة إلى عمل إصدارات مختلفة مناسبة لأنظمة التشغيل الخاصة بالPC أوMAC.
• قدمت الخدمة أيضا طبقة حماية إضافية ضد أي خلل برمجي قد يحدث عندما تقوم متصفحات مثل جوجل كروم أو فاير فوكس أو سفاري بتحديث جديد.
• زووم أيضا يمكنها أن تعمل حتى إن وصل معدل فقدان البيانات لنسبة 40%، بمعنى أنها ستظل تعمل إذا كان الاتصال بالإنترنت بطيئا أو متقطعا.
ومن اللحظة الأولى رغب “إريك يوان” بشدة في استهداف شريحة الشركات الكبرى، وذلك على الرغم من شكوك المستثمرين من قدرة زووم على النجاح في العمل معهم وأن ميزات زووم ربما لا تتوافق مع أعمالهم الضخمة، خاصة أيضا في ظل تواجد وسيطرة شركات كبيرة على هذه الشريحة مثل:
مايكروسوفت المالكة لSkype، وجوجل بخدمة hangouts وسيسكو التي كانت تقود الحصة السوقية بالإضافة إلى العديد من الشركات الناشئة الصاعدة مثل BlueJeans Network.
إلا أنهم كانوا مخطئين، ففي خلال خمسة أشهر من إطلاقها أصبحت زووم تعمل مع أكثر من 3500 شركة، وبعد عامين أرتفع العدد بسرعة إلى حوالي 65 ألف شركة وأكثر من 40 مليون مشترك فردي. والسبب وراء الانتشار السريع؟
• اعتمد نموذج عمل زووم على أن تكون “freemuim”، وهي استراتيجية في التسعير والتسويق، تقدم فيها مجموعة من حزم الاشتراكات تبدأ بحزمة مجانية ثم للحصول على مزايا وأدوات أكثر يتم الاشتراك في الحزم المدفوعة، ذلك النموذج ضمن لZoom الانتشار السريع والأرباح، فالاشتراكات المجانية ساعدتها على الانتشار والتسويق الشفهي لها، والاشتراكات المدفوعة قدمت لها الأرباح.
• في نهاية السنة المالية لعام 2019/2018 أكثر من 55% من العملاء – عددهم 344-الذين ساهم كل واحد منهم في دخول إيرادات لشركة زووم بأكثر من 100 ألف دولار، كانت بدايتهم مع مضيف مجاني واحد على الأقل وأصبحوا بعد ذلك مسئولين عن أكثر من 30% من إيرادات زووم.
والنتيجة؟ أصبحت منصة زووم الآن من الشركات الناشئة “يونيوكورن” القليلة التي استطاعت أن تكون سريعة النمو ومربحة في نفس الوقت، ففي بيانها المالي السنوي 2019/2020، حققت زووم مجموعة فريدة من الإيرادات والأرباح مع نمو التدفق المالي، نمت الإيرادات بنسبة 88% لتصل إلى 623 مليون دولار، وبلغ صافي الدخل 21.7 مليار دولار ، ووصل التدفق النقدي الإيجابي إلى قيمة 114 مليون دولار، ومع الاستخدام المتزايد للمنصة بسبب انتشار فيروس كورونا، من المتوقع أن تبلغ إيرادات زووم للعام 2020/2021، على حسب بيان الشركة، ما بين 905 إلى 915 مليون دولار.