فن الادارة ..قصص وعبرقضايا وأراءوعي

الصين .. تاريخ نهضة || الجزء الثاني

بقلم الكاتب : أحمد كامل

إذا كانت الصين هى أكبر مصدر فى العالم فجدير بالذكر أنها ثانى أكبر مستورد بـ 1.27 تريليون دولار فبسبب وتيرتها الصناعية المتصاعدة أصبحت تحتاج إلى مواد خام و مصادر للطاقة بشكل متزايد وهو يتزايد كل عام بمعدلات أكبر من سابقه فالصين يتوقع لها أن يتصدر اقتصادها العالم بحلول عام 2030 بناتج قومي إجمالي يقترب من 34 تريليون دولار .. وبنظرة سريعة إلى أكثر 5 عناصر تقوم الصين بإستيرادهم سنجدهم كالآتى :

  • – النفط الخام بنسبة 9.4 % بما يعادل 119 مليار دولار
  • – الشرائح الإليكترونية بنسبة 7.5 % بما يعادل 95.2 مليار دولار
  • – الذهب بنسبة 5.2 % بما يعادل 65.8 مليار دولار
  • – خام الحديد بنسبة 3.4 % بما يعادل 42.9 مليار دولار
  • – السيارات بنسبة 3 % بما يعادل 38.5 % مليار دولار

ما سبق يؤكد أن ما تم إنجازه فى المجال الزراعى يعد هائلاً فالصين التي كانت تعاني يوماً ما من ضعف النشاط الزراعى و وصل بها الحال لحدوث مجاعات أودت بحياة الملايين الآن عندها اكتفاء ذاتى نسبى فلا تجد ضمن أوائل قائمة استيرادها أى نوع من أنواع المحاصيل الزراعية و أقرب محصول فى تلك القائمة هو فول الصويا و الذى تستورده بقيمة 31 مليار دولار فقط و إجمالاً فإستيراد الصين من المحاصيل الزراعية و الزيوت لا يتخطى ال 80 مليار دولار و هو مبلغ يكاد لا يذكر إذا ما قورن بعدد سكانها الرهيب .. 

هناك ملحوظة مهمة فى تلك القائمة يجب الإشارة إليها وهى حلول الذهب فى المركز الثالث حيث أن الصين هى صاحبة المركز الأول عالمياً فى الاستحواذ على الإحتياطى الذهبى أى أنها تعتبر أعلى بلاد العالم فى معدلات شراء الذهب وذلك لأنها تعتبره مخزن القيمة الحقيقى أماناً لها فى حالة حدوث اضطرابات سياسية عالمية و إجمالاً فالصين تستورد سنوياً معادن نفيسة بقيمة 80 مليار دولار إما للإحتفاظ بها ضمن الإحتياطى و إما للإتجار بها .. ما سبق لا ينفي أبداً إهتمامها بالجانب المالي فالصين هي صاحبة الاحتياطى النقدى الأجنبى الأكبر فى العالم ب 3.9 تريليون دولار و أيضاً أكبر مستثمر فى أذون الخزانة الأمريكية ب 1.244 تريليون دولار ..

أرقام اقتصادية رائعة دائماً ما يشكك بها الإقتصاديين الأمريكيين والأوروبيين متهمين الصين بتزييف أرقام نموها الاقتصادي لإظهار الوضع الإقتصادى بالشكل الأمثل لجذب الإستثمارات الأجنبية للسوق الصينى و أيضاً يتهمونها بتخفيض قيمة عملتها اليوان لإعطائها ميزة تنافسية أمام نظرائها من الدول الأخرى .. اتهامات لن تغير من الأمر شيئاً لأن عامل الكثافة السكانية يجعل الصين سوقاً جاذباً للإستثمارات بدون حتى بذل مجهود إضافي من الحكومة الصينية و معها سيبقى الإقتصاد الصيني هو الثانى عالمياً بناتج إجمالي محلى 11.392 تريليون دولار ..

رائج :   اشهر القصص القصيرة لدوستويفسكي

الصين فى حقيقة الأمر تعد نموذجاً عظيماً لكل دولة ترغب فى تحقيق نهضة إقتصادية لأنها استطاعت استغلال مقوماتها الطبيعية أحسن إستغلال فى الوقت الذى ظن البعض أن عدد سكانها الكبير سيكون عائقاً أمامها لأى نهضة ممكنة .. 1.35 مليار نسمة يعيشون على أرض مساحتها 9.6 مليون كم مربع استطاعوا تحقيق نقلة هائلة و طفرة نوعية فى كافة الأنشطة الاقتصادية كالزراعة و الصناعة و التجارة و هو ما انعكس داخلياً على أنظمة التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية من طرق و وسائل مواصلات بالإضافة لتطورها عسكرياً بشكل يؤهلها أن تقود العالم فى المستقبل .. بإختصار فقد ظهر التطور واضحاً على كل أشكال الحياة في الصين ..

أما فيما يخص إمكانية تطبيق تجربة الصين التنموية فى مصر فيجدر بنا الإشارة إلى تشابه البداية بالنسبة للدولتين حيث بدأ مخطط النهضة لهما فى فترة الخمسينات و على الرغم من التحديات التى قابلت الصين من جهل و فقر و مرض و عدد سكان كبير و سوء توزيع فى الثروة إلا أنها استطاعت و بجدارة فى عبور تلك الأزمات فى الوقت التى كانت مصر من أكثر دول العالم استحواذاً على احتياطي الذهب و كان المستوى التعليمي فيها أفضل بمراحل مقارنة بالصين خاصة التعليم الجامعى والذى كانت تأتيه بعض البعثات الأجنبية لأخذ شهادتهم منها إلا أن الواقع الفعلى يشهد تراجعاً بشكل شبه مستمر .. بالتأكيد نتائج التجربتين تميل بشدة إلى المارد الصينى فى الوقت التى لا تزال فيه مصر تبحث عن الطريق و هذا يرجع إلى عدة عوامل :

1 – تهيئة المناخ الاستثمارى الداخلى قبل الإنفتاح عالمياً :

فى الوقت الذى دعمت الصين فيه نفسها و أسست بنية تحتية صناعية و زراعية قوية قبل أن تنفتح على الأسواق العالمية كانت مصر تمر بظروف إقليمية غاية فى الصعوبة بسبب الحروب التى دخلتها و هو ما استنزف كثيراً من ثرواتها و عطل مسيرة تقدمها فلما حاولت أن تأخذ الإتجاه الرأسمالى كانت بنيتها قد ضعفت تماماً فلم تستطع مجاراة نظيرتها الأجنبية ما أضر بالمردود المتوقع من التجربة .

رائج :   التجربة البيروفية || من الديكتاتورية لإقالة الرؤساء بسبب الفساد

2 – سلاسة تحول النظام الإقتصادى :

– تحول الصين من نظام اشتراكي إلى نظام رأسمالي مر بفترة وسطى كان النظام فيه هجيناً بين الإثنان فمر الأمر بسلام على الإستثمار المحلى فلم يتأثر بالاضطرابات الملازمة لعملية التحول ففى الوقت الذى خففت فيه الدولة قبضتها عن إدارة كل شيء بالبلاد بالتدريج و إعطاء الفرصة للقطاع الخاص المحلى و الأجنبى للإشتراك فى تنمية الدولة نجد مصر لا تزال تواجه صعوبات فى دمج القطاع الخاص فى تسيير شئون الدولة و دائماً ما يتهم هذا القطاع بعدم قدرته على تحمل قطاعات كاملة فى الدولة و الآفة الكبرى التى واجهت مصر فى تلك النقطة هو الإنفتاح الإقتصادى الغير محسوب و خصخصة الشركات المصرية بدون وجود خطة مستقبلية واضحة المعالم .

3 – التأكد من مواءمة قوانين الإستثمار لمتطلبات السوق :

استطاعت الصين إصدار قوانين للإستثمار فى كل حقبة زمنية تستوعب مخاوف المستثمر الأجنبى من الدخول فى سوق ناشئ مثل السوق الصيني مع وضع شروط من شأنها عدم الإضرار بمصالح الدولة فى الوقت الذى طبقت مصر نظام الخصخصة بشكل خاطىء نسبياً فتم بيع بعض المشروعات الناجحة مع استمرار الاحتفاظ بالشركات الخاسرة التى مثل الإحتفاظ بها عبئاً على الدولة بالإضافة لاستمرار المحاولات فى إصدار قانون للاستثمار يوازن بين مصالح الدولة ومصالح المستثمرين وهو ما يعد فى حالة الوصول إليه دافعاً و داعماً لزيادة الاستثمار الأجنبي .

4 – التركيز على مواطن القوة فى الإقتصاد :

الصين استطاعت بالتركيز على الصناعات الإستراتيجية فيها الوصول لأفضل استفادة ممكنة فالتركيز على زراعة الأرز أو صناعات مثل الحديد والصلب والفحم أمن للصين تميزها فى تلك النشاطات ما أعتبر قاطرة للنمو تجر باقى قطاعات الدولة بالتدريج فى المقابل فإن مصر بعد أن كانت تمتلك سلعاً إستراتيجية مثل القطن مثلاً أو صناعات مهمة مثل الغزل و النسيج و الموبيليا أهملت الإعتماد عليهم أو تطويرهم حتى تجاوزنا الزمن و أصبح إنتاجنا لا ينافس مثيله الأجنبى

وحتى عندما أردنا أن نحرر اقتصادنا لم نركز على نشاطات إنتاجية نحن متميزون فيها مثل القطن أو الموبيليا و لم نركز على الخصائص الطبيعية التي حبانا الله بها مثل الرمال البيضاء و التى تستخدم فى صناعة الزجاج أو تنمية قطاع الطاقة النظيفة بإستغلال الصحراء الغربية أفضل مكان فى العالم يمكن أن ينتج الكهرباء من الطاقة الشمسية بل أردنا نمواً شاملاً فى وقت قصير لا يتفق مع إمكانياتنا المتاحة و قد يكون ذلك بسبب رغبتنا فى تعويض ما فاتنا إلا أن الواقع يقول أننا لم نوفق فى ذلك لتشتت الجهود على كل المجالات .

رائج :   كينيا ترفع ميزانية التعليم إلى 30% .. ”يعمل إيه التعليم في وطن ضايع؟!!

5 – ربط الحوافز بجودة الإنتاج :

ربطت الصين فى بعض مراحل تجربتها معدل الأجور بجودة الإنتاج وكميته وهو ما أعطى الشعب الدافع لزيادة الكمية المنتجة مع الحفاظ على جودة المنتج النهائى طالما يصب ذلك فى النهاية فى مصلحته و بهذا فقد ربطت الصين المصلحة الشخصية للشعب بالمصلحة العامة للدولة ككل فشعر المواطن الصينى أنه شريك فى عملية التنمية و أنه جزء منها و أن العائد على تلك العملية الإنتاجية يراه بعينه كزيادة في دخله الشهرى ..

فى المقابل فإن مصر و إن كانت بعض الشركات و المصانع يطبقوا هذا المبدأ بالفعل إلا أنه يجب تطبيقه بشكل عام على كل الشركات و المصانع لتحسين جودة المنتج وزيادة تنافسيته و أيضاً ترسيخ الشعور بالأمان للعمال أنه كلما اجتهدوا فى تطبيق معايير الجودة كلما ارتفعت أجورهم و حوافزهم وهذا سيخلق عندهم الدافع و يعطيهم الأمل فى غد أفضل ..

أخيراً

مصر تمتلك من الإمكانيات ما يؤهلها لأن تبدأ بداية أفضل من تلك التي بدأتها الصين .. الصين بدأت فعلياً من تحت الصفر بكثير أما نحن فنملك عديد الإمكانيات .. لدينا الايدى العاملة .. لدينا سوق كبير يمثل إغراء للإستثمار الأجنبي .. لدينا بنية تحتية نستطيع البناء عليها وتطويرها .. هيكل الدولة موجود فلدينا مؤسسات تمثل ضماناً و أماناً للإستثمار الأجنبى بشرط أن نحاول إزالة مخاوفهم التى تكونت فى السنوات الماضية .. لدينا ثلث آثار العالم .. لدينا بحرين و مجرى مائي يصل شرق العالم بغربه .. لدينا كل شيء يجعلنا نؤمن بأنفسنا و بأنه يمكننا أن نحيا حاضراً و مستقبلاً أفضل بشرط توفر العزيمة و الإرادة و صدق النية لتنفيذ ذلك ..

مقالات ذات صلة