فكر و ثقافةمن هنا وهناك

لعشاق فيلم تيتانيك Titanic .. فيلمكم المفضل كان مقدر له الفشل الذريع

من السهل جدًا بالنسبة لنا الآن إعتناق فكرة أن فكرة نجاح فيلم Titanic كانت شيء محقق ومضمون %100، وخاصة أنه ثاني أعلى فيلم من حيث الإيرادات على الإطلاق (أو الرابع إذا حسبنا معدل تضخم العملة.)

مخرج عبقري وممثلين شباب في غاية الوسامة والروح والحماسة، what could possibly go wrong؟ هدف محقق! في حين أنه تخمين منطقي ونبيل إلا أنه أبعد ما يكون عن الواقع وعن ظروف تصوير والتوقعات المرصودة للفيلم.

في الحقيقة أن الفيلم كان متوقع له الفشل التام، وفي أفضل الأحوال كان بالكاد سينجح أو يحقق أرباح أو أقل من المتوسط، وأن أي بصيص أمل عند المنتجين نجاح الفيلم حتى مجرد نجاح عادي كان قادم فقط من فكرة أن جيمس كاميرون بثقله وسمعته هو المخرج ولولا وجوده في المشروع وانه صاحب الرؤية والفكرة لما كانوا غامروا بعمله أبدًا. 

بادئ ذي بدء، المخرج جيمس كاميرون طلب من الإنتاج 135 مليون دولار، وهو مبلغ عملاق جدًا جدًا ونادرًا ما سمع أحد عنه في إنتاج فيلم وخاصة بالنسبة لوقتها (1996) وما زاد الأمر سوءًا هو أن جيمس لم يكن متأكد أن هذا هو مجموع الرقم المطلوب لإنهاء الفيلم وإنما مجرد توقع مبدأي فقط.

أيضًا شركة الإنتاج طُلِبَ منها أن تبني ستوديو جديد من الصفر مساحته 40 فدان مخصص للفيلم فقط وهو شيء لم يحدث في هوليوود منذ الثلاثينات، وبعدما أستقر كاميرون على مكان التصوير الأساسي (مدينة Rosarito في المكسيك) تطلب الأمر 10,000 طن من الديناميت لصناعة لتفجير الصخور

رائج :   اشهر القصص القصيرة لدوستويفسكي

وصناعة أكبر حوض صناعي في العالم (بسعة 65 مليون لتر) ليحمل السفينة الموجودة في الفيلم التي هي بدورها نسخة تقريبًا طبق الأصل من سفينة تايتانك الحقيقية مصنوعة على مخطوطات حصل عليها طاقم الفيلم من نفس الرجل الذي صمم تايتانك الأصلية شخصيًا، وأصر جيمس كاميرون على إعادة إحياء تفاصيل عصر السفينة الأصلية من الملاعق للنجف للملابس، كل شيء كل شيء من الإبرة للصاروخ،

ملحوظ للمشاهد كان أم لم يكن، قرر أن يبث الروح كاملة مكتملة في التاريخ ويجلبه للواقع مما تكلف عشرات الملايين، وكان الفيلم يحتوي على 100 متكلم وأكثر من 1,000 كومبارس.

بدأت الميزانية المطلوبة للفيلم تتضخم يوم بعد يوم وأتضح أن الفيلم غالبًا سيحتاج مبلغ أكبر بمراحل من المبلغ المبدأي لإكماله وهو ما حدث، في أقل من مدة نصف التصوير ألتهم الفيلم أكثر من 3/4 ميزانيته ولم يبدي أي علامات في التباطؤ بل كان يزداد في شراهته في الإشتياق للأموال وحرقها،

تكلفة أغلى تصوير أغلى أفلام وقتها كانت 100,000 – 150,000 دولار على الأكثر، بينما تيتانك كان يستهلك من 225,000 -300,000 دولار يوميًا وفي النهاية تطلب الفيلم 200 مليون دولار لإكماله وهو ما يقارب ضعف تكلفة إنتاج سفينة تايتانك الحقيقية نفسها!

في الحقيقة أن الميزانية تورمت بشكل خيالي لدرجة أن شركة Fox أضطرت للإستعانة بشركة Paramount لتغطية الجزء المتبقي من الميزانية مقابل الحصول على حقوق التوزيع بداخل الولايات المتحدة!

رائج :   الختام المر || عن صانع السعادة الكبير “عبد الفتاح القصري”

أنهالت الجرائد والمنافذ الصحفية يوميًا بالنقد والسخرية من المخرج جيمس كاميرون ووصفته بأنه وصل لمرحلة لا تطاق من العنجهية والزهو (بسبب الميزانية الضخمة التي طلبها، وأنه أخـّـر صدور الفيلم من موسم الصيف المربح حتى شهر ديسمبر – بشكل أساسي بسبب الإنتباه المفرط جدًا من التفاصيل -)

ولكن في الحقيقة المخرج جيمس كاميرون كان واعيًا تمامًا لحجم المجازفة التي يتخذها بسلوكه لهذا المسار وحتى روى قصة أنه حضر موس للإنتحار وأنه كان سيفكر جديًا في الفكرة في حال فشل الفيلم لأنه غالبًا سيكون أخر فيلم يصنعه على الإطلاق، لأن المهن الفنية شبه مستحيل تتعافى من فشل بمثل هذا الحجم الإيفرستي. 

بهذا الشكل والمعدل فإن تايتانك حتى لو باع تذاكر أكثر من فيلم Dances With Wolves (أكثر فيلم 3 ساعات مربح على الإطلاق حتى ذلك الوقت) فإنه أيضـًا سيظل خسارة، ولكي يكون ناجحًا. في الأسبوع الأول لصدور الفيلم أصبح رقم 1 بفارق ضئيل جدًا عن ثاني فيلم بعده (فيلم جيمس بوند Tomorrow Never Dies)

ولكن هذا لم يكن حتى قريبًا من جعل فيلم تايتانك فيلم ناجح بأي مقياس، ناهيك عن نجاح ساحق. فلكي يصبح تايتانك فيلمـًـا ناجحًا كان عليه أن يجذب المشاهدين بأعداد غير مسبوقة وأن بمعجزة ما يكرر نفس الـ28 مليون دولار إيرادات التي حققها في الأسبوع الأول (أو أكثر) لمدة أسابيع وأسابيع وأن يتربع على عرش التذاكر لمدة شهور بطريقة لم يفعلها أي فيلم قبله لمدة عقود،

رائج :   جنكيز خان .. سفاح التاريخ الأعظم

ولكن في النهاية المعجزة تحققت بالفعل وأستطاع الفيلم المحافظة على أرقامه القياسية في الإيرادات لشهور، بل إيرداته كانت في إزدياد، على سبيل المثال، الأسبوع الحادي عشر كانت إيراداته 32 مليون (مقارنة بـ28 مليون للأسبوع الأول!) وأكثر من 78% ممن ذهبوا لمشاهدة الفيلم مرة ثانية قالوا أنهم ينتووا حضوره للمرة الثالثة وربما الرابعة والخامسة! معدل العودة لمشاهدة حتى لأفضل الأفلام وقتها كان %2 بينما لتايتانك كان %20!

في النهاية تحققت المعجزة بفضل الموهبة الجبارة والإتقان والتفاني المذهل للأبطال، وقبل كل شيء العبقرية والشغف منقطع النظير للمخرج الذي أستطاع نسج الدراما والتاريخ والتقنية والمؤثرات البصرية والواقعية في سيموفنية خلابة ساحرة ونقل جميع أنواع المشاعر من الحب للمعاناة لألم الفقدان للزهو للطموح للتشاؤم بشكل صادق وصلب وملموس ومؤثر لأبعد الحدود وتحول العمل من مجرد فيلم إلى ظاهرة آسرة خالدة ومقصد. 

من الطرائف عن فيلم تايتانك إن ماثيو مكوناهاي (وغيره) تم إعتباره ليكون البطل ولكن كاميرون رفض التخلي عن ديكابريو، وأيضــًا تم إعتبار الممثلة Gwyneth Paltrow وMadonna وJodie Foster وغيرهم لدور البطلة ولكن كيت وينزلت رفضت تمامًا التخلي عن الدور وأقنعت المخرج أنها أنسب وأجدار من سيقوم به لأنها تقمصت الشخصية (أو العكس) شكلًا وروحًا.

أيضـًا جيمس كاميرون كرسام موهوب هو من قام برسم الصور في المشاهد الشهيرة والأيادي التي تظهر في المشهد هي يديه. وأيضـًا العالم Neil deGrasse Tyson أقنع المخرج بتغيير شكل النجوم في السماء.

مقالات ذات صلة