من هنا وهناكوعي

ليبيريا مع جورج وياه .. من العبودية إلى الحرية

ليبيريا .. دولة صغيرة تقع فى غرب إفريقيا .. واحدة من أفقر دول العالم .. نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى حوالى 455 دولار للفرد .. الناتج المحلى نفسه 2.1 مليار دولار و عشان أقربلك الصورة شوية فالناتج المحلى فى مصر حوالى 166 مليار دولار فتخيل إنت بقى ليبيريا دى شكلها إيه ..

ليبيريا ليها قصة لطيفة جداً و هى إن الدولة دى قبل ترسيم الحدود كانت الأعراق اللى عايشة فيها ممتدة فى دول كتير و مسيطرة على الساحل الغربى لأفريقيا تقريباً من أول سيراليون مروراً بليبيريا و ساحل العاج وصولاً للكاميرون يعنى كانت دولة مش قليلة و كان التجار الأوروبيين بيتعاملوا مع زعماء القبائل هناك و بيشتروا منهم المحاصيل الزراعية بتاعتهم .. يعنى دولة شابة عفية عندها موارد عظيمة كانت بتستفيد منها و قبل ده كله كانت آمنة تماماً .. كل ده كان جميل و هايل لحد ما أمريكا قررت إنها تتدخل ..

كان فى جمعية فى أمريكا إسمها جمعية الإستعمار الأمريكية تأسست سنة 1817 و كان هدفها الأساسى هو عتق العبيد السود مش بهدف المواطنة و الكلام الجميل ده و لكن بهدف ترحيلهم خارج الأراضى الأمريكية و إن أمريكا تبقى للأمريكان و إفريقيا تبقى للأفارقة و بالمناسبة الجمعية كانت مدعومة من الرئيس الخامس للولايات المتحدة  جيمس مونرو و بالفعل بدأ نشاط الجمعية يبان أثره بداية من 1822 بعد ما قدرت إنها ترحل آلاف من العبيد المحررين لأرض ليبيريا .. الجميل إنهم بعد ما راحوا هناك أسسوا عاصمة و سموها  مونروفيا تيمناً بإسم ولى نعمتهم الرئيس مونرو و جدير بالذكر إن إسم ليبيريا مشتق من كلمة ليبرتى أو حرية ..

العبيد المحررين بدأوا يتعاملوا مع السكان المحليين بغطرسة شديدة و إقصاء تدريجى و بدأوا يستولوا على المناصب السياسية معتمدين على إنهم جايين من دولة متحضرة و متطورة أما السكان الأصليين فكانوا لازالوا بيسكنوا فى بيوت من القش و بيمشوا عراه إلى أخر الحاجات دى و تدريجياً تكتل العبيد الواردين من أمريكا و كتبوا إعلان إستقلال سنة 1847 و عملوا دستور على الطراز الأمريكى و أسسوا دولة ليبيريا و عملوا حزب واحد إسمه True Whig أو حزب الحقيقة اليمينى ..

رائج :   ببساطة .. أسباب تخلف العرب . أسباب تقدم الغرب

على مدار 120 سنة سيطر الحزب ده على مقاليد الحكم فى البلد و أصبح مرشح الحزب هو الرئيس كده بالعافية و رغم إن النظام كان ديكتاتورى إلا إن وجود أمريكا فى صف ليبيريا خاصة بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية و رغبتها فى سيطرتها على الأماكن الحيوية فى العالم و وضع قدم لها فى كل مكان متاح فكان فى دعم للحزب عن طريق إستثمارات أمريكية عشان الحكام دول يستمروا طالما مصلحة أمريكا بتتحقق ..

استمر الوضع لحد سنة 1980 لما قدر رقيب فى الجيش إسمه صمويل دو إنه يعمل إنقلاب عسكرى على النظام الطبقى اللى كان حاكم البلد و إستغل كونه من عرقية الكران و جمع حواليه شوية جنود من نفس العرقية و اقتحم القصر الجمهورى و قبض على الرئيس وليام تولبرت و أعدمه و بعدها أعدم أغلبية الوزراء و المنتمين للنظام و صفى الحزب و أنشأ مجلس حكم سماه مجلس خلاص الشعب 

و قعد يحكم البلد من خلال المجلس لمدة 6 سنين لحد ما عملوا دستور جديد سنة 1985 مهد الطريق لصمويل دو إنه يكون رئيس بعد ما خلوا الشروط كلها تنطبق عليه و فوق ده كمان زوروله الإنتخابات فحكم البلد كرئيس لحد سنة 1990 عمل فيها كل اللى يقدر يعمله حاكم مفترى فى شعبه .. حبس و إعتقالات و تنكيل و قتل و تشريد و قول كل اللى إنت عاوزه و بما إن كتر الضغط بيولد الإنفجار فكان متوقع إن اللى بيحصل ده أخرته وحشة ..

مجموعة من المتمردين عملوا جبهة سموها الجبهة الوطنية القومية بزعامة واحد إسمه تشارلز تايلور كان أحد أعوان صمويل دو إلا إنه كان من نسل العبيد المحررين زمان جمع صحابه حواليه و شالوا سلاح و قالوا يلا بينا نرجع البلد تانى و بالفعل سيطروا على أجزاء كبيرة من البلد و حاصروا دو فى العاصمة لحد ما قبضوا عليه و أعدموه و بعدها حصل اللى بيحصل بعد أى سقوط لنظام سياسى ..

المتمردين إختلفوا مع بعض و بدأوا يحاربوا بعض و حصلت الحرب الأهلية الأولى اللى استمرت 7 سنين راح ضحيتها حوالى 200 ألف بنى أدم و اتهجر حوالى مليون شخص كانوا تقريباً نص عدد السكان وقتها لحد ما ربنا كرمهم و اتفقوا على إن تايلور يبقى الرئيس بانتخابات صورية فى تكرار للفيلم اللى عمله قبله صمويل دو بالحرف

رائج :   محطات في حياة عثمان احمد عثمان : الحلقة الاخيرة

بل و زاد عليه تايلور إنه بقى يسرق موارد الدولة عشان يدعم بفلوسها حركات التمرد فى غينيا و سيراليون .. يعنى الراجل مقتلش شعبه بس .. لأ .. ده ساهم فى قتل الشعوب اللى حواليه كمان .. نفس الإفتراء و نفس الظلم و نفس عمليات القتل الممنهج .. الأقليات إتبهدلت فى عهده و المسلمين كانوا أبرزهم بالمناسبة .. شيوخ الجوامع كانت بتتخطف من المساجد و تتدبح على أبوابه ..

أعمال تخريبية محدش يعرف مين اللى عملها فيحصل قبض عشوائى يليها محاكمات صورية ينتج عنها أحكام إعدام ظالمة لحد ما الناس مستحملتش اللى بيحصل فقررت مجموعة منهم إنها تشيل السلاح تانى و لإن السيناريو واحد فطبيعى إن النتائج تكون واحدة .. دخلت البلد فى كارثة الحرب الأهلية الثانية ..

الحركة من أجل الديموقراطية كان إسم حركة المتمردين اللى ثاروا ضد أفعال تايلور و عصابته و بنفس سيناريو الحرب الأولى حصلت الحرب الثانية .. حوالى 200 ألف شخص ماتوا و إتهجر نص سكان البلد و بقى واضح إن الشعب هيفنى نفسه بنفسه لحد ما ظهر إن تايلور مش هيقدر يحافظ على نفسه فاضطر إنه يقبل بوساطة غانا لحل الأزمة و تم توقيع إتفاقية سلام تنص على إن تايلور يخرج لمنفاه فى نيجيريا على إن البلد تبتدى بداية ديموقراطية حقيقية ..

تايلور فضل قاعد فى منفاه لحد ما اتقدمت ضده عريضة من محكمة فى سيراليون بتتهمة بجرائم حرب فعرف إنه هيتقبض عليه .. حاول يهرب فاتقبض عليه فعلاً و إتحاكم قدام محكمة العدل الدولية فى لاهاى بهولندا و إتحكم عليه بخمسين سنة سجن ..

و الشعب الليبيرى بعد ما اتعرض لواحدة من أكبر الكوارث البشرية اللى ممكن يتعرض لها شعب فى العالم قدر إنه يقف على رجله و يعمل إنتخابات حرة و نزيهة و ديموقراطية لأول مرة فى تاريخه أسفرت عن فوز رئيسة مدنية لأول مرة فى التاريخ إسمها إلين جونسون سيرليف استلمت منصبها فى يناير 2006 و إستمرت فترتين حسب الدستور لحد ما انتهت ولايتها و تمت إنتخابات برضه حرة و نزيهة جابت أسطورة كرة القدم الليبيرية جورج وياه كرئيس للستة سنين اللى جاية .. الدولة اللى إسمها اشتق من كلمة حرية بتعيش الحرية لأول مرة فى تاريخها ..

رائج :   اعترافات صادمة من عمر الشريف عن جيفارا

ليبيريا الدولة الصغيرة الفقيرة و اللى مات منها حوالى 400 ألف بنى أدم ماتوا بأبشع الطرق و أقساها و انهار اقتصادها اللى كان منهار أساساً قدرت إنها تتجاوز كل ده و تنتج آلية ديموقراطية لتداول السلطة بعد ما اتحكمت بحكم جبرى لأكتر من 160 سنة و قدمت للكون كله درس فى إن العدل و العدل فقط و حصراً هو الوسيلة الوحيدة الآمنة للإستقرار و النمو .. شعب أول ما حس بالحرية بجد مستغناش عنها و مسك فيها بإيديه و سنانه و استحمل لحد ما تجربته الديموقراطية تبقى راسخة و ناجحة و متخلاش عنها فى أول منعطف ..

تجربة سمحت لرئيسة مدنية متدربة فى جامعة هارفارد إنها تحكم الدولة و سمحت للاعب كرة إنه يحلم بوصوله لمنصب الرئيس لحد ما حقق حلمه و زى ما سمحت لدول هتسمح بكرة للدكتور و للمحامى و المهندس و لغيرهم إنهم يحلموا فى يوم من الأيام إنهم يساعدوا بلدهم و شعبهم على تجاوز الأثار البشعة اللى مروا بيها بسبب الإحتكام للسلاح مش للديموقراطية ..

فى المقابل فالتاريخ مرحمش السفاحين قتالين القتلة اللى استحلوا دم الشعب الليبيرى و ذكرهم بأحط الأوصاف و فضلوا فى نظر شعبهم و شعوب العالم كحكام منحطين مجرمين كان عهدهم أسوأ عهود الدولة بسبب الإستبداد و الظلم .. مبروك لشعب ليبيريا اللى عانى كتير و شاف كتير و مبروك هنا مش عشان إنتخاب جورج ويا و إنما عشان إستمرار تجربته الديموقراطية لـ 12 سنة و أديهم بيحصنوها أهو بست سنين كمان و ده بيقلل إحتمال الإنقلاب على الشرعية الشعبية بعد كده .. مبروك للمرة الألف ..

مقالات ذات صلة