أجمل رسائل بريد الجمعة

نداء القلب ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

أنا يا سيدي شاب في التاسعة والعشرين من عمري، كان أبى موظفاً بسيطاً يعيش في وئام مع أمي ويرعى أسرتي المكونة منى ومن شقيقي الأصغر، وشقيقتي الصغرى، فعشت طفولة عادية تعلمت فيها من أبى الاعتماد على نفسي فى كل شىء، فلقد كان يقوم بإصلاح الكهرباء وأعمال السباكة والنجارة في البيت، ويحتفظ بأدوات كل ذلك، ومنه تعلمت من صغري أعمال الكهرباء، ومضت حياتنا عادية إلى أن ضاق بنقص الإمكانيات فسوى معاشه المبكر وهاجر إلى إحدى الدول العربية ليعمل هناك على أمل أن يستقدمنا إليه فغاب سنة. لم تنقطع عنا خلالها رسائله ولا نقوده ..

ثم سنة أخرى تباعدت فيها الرسائل والنقود، ثم سنة ثالثة انقطع فيها كل شىء، وعادت إلينا الرسائل لعدم الاستدلال إلى المرسل إليه.. وحارت أمي فى البحث عنه فمن قائل إنه هاجر من هذا البلد إلى بلد آخر، ومن قائل أنه غير عنوانه وتزوج وأنجب ولولا المعاش الذى تقبضه أمي بتوكيل منه لهلكنا من الجوع. 

وبدأنا نستسلم لليأس من عودته أو عودة رسائله.. وعجز المعاش الصغير عن تلبية مطالبنا، وكنت فى السادسة عشر من عمري حين وجدت نفسي مسؤلاً عن أسرتي، فحملت أدوات الكهرباء البسيطة ونزلت إلى محل الكهربائي القريب من بيتنا، وقابلت صاحبه وشرحت له ظروفي وطلبت منه السماح لى بالوقوف أمام محله 3 ساعات كل يوم لألبى طلبات إصلاح الكهرباء فى المنازل على أن يستفيد هو بثمن الأدوات التى تشترى من محله، ورحب الرجل بى وبدأت حياتي العملية فى هذه السن المبكرة، وأصبحت أخرج من المدرسة فأتناول الغداء ثم أنزل إلى المحل وأعود فى السابعة فأذاكر حتى العاشرة وأنام،

وأسهم عملي الجديد فى تيسير حياتنا بعض الشىء، فأصبحنا نشترى الملابس الضرورية وندفع إيجار الشقة بانتظام، ولم أعان صعوبة كبيرة فى الدراسة فانتقلت إلى الثانوية العامة وضاعفت من ساعات المذاكرة مع العمل حتى كدت أهلك فى أيام الامتحانات، وكلل الله مجهودي بالنجاح فيها بمجموع ضعيف، ولم يقلل ذلك من فرحتي ولا من فرحة أمي بهذا النجاح فى مثل ظروفي.

أما صاحب المحل فقد استقبلني بعد ظهور النتيجة بتوزيع زجاجات المياه الغازية على جيرانه احتفالاً بنجاحي، وقبلني فخوراً، فدمعت عيناي من التأثر وأنا أرى من لا تربطه بى صلة الدم سعيداً بى، ومن أنجبني من صلبه لا يهمه من أمري شيئاً نجحت أم رسبت.. جعت أم طعمت، لكنى على أى حال كنت قد رضيت بنصيبي من زمن طويل،

ورشحني مجموعي للالتحاق بمعهد فوق المتوسط فرحبت بذلك لأن يختصر المشوار ويعطيني شهادة تدفع عنى شر الحاجة عند الضرورة، وأقبلت على دراستي بنشاط، وفى إحدى المحاضرات انقطع النور عن القاعة وطلب الأستاذ إحضار المختص، فتقدمت من فوري وتطوعت لإصلاحه ونفذت ذلك بالفعل فى دقائق، فسألني كيف اكتسبت هذه الخبرة، فرويت له قصتي فعبر عن إعجابه بى..

وجعل منى مادة للحديث فى المحاضرة مؤكدا أن من يستطيع أن يقوم بأعمال الإصلاح البسيطة هو إنسان متحضر يعتمد عليه، وجعلني هذا الحديث معروفاً بين زملائي بخبرتي بالكهرباء وإصلاح الأجهزة الدقيقة، وذات يوم اقتربت منى طالبة وعرضت على جهاز تسجيلها الذى تحمله فى المحاضرات وطلبت إصلاحه فكان ذلك بداية لصداقة جديدة بيني وبينها.

رائج :   السؤال المهم ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

واستمرت هذه الصداقة طوال العام الأول، وفى منتصف العام الثاني تحولت إلى ارتباط عاطفي عميق، وسألتني عن ظروفي فقصصت عليها كل شىء بصدق، وعرفت منها إنها ابنة موجة بالتعليم قارب سن المعاش.

وتخرجنا فى المعهد هى بتفوق وأنا بدرجات متوسطة لانشغالي بعملي الذى يعول أسرتي، واستمرت علاقتي بها بعد التخرج عن طريق تليفون المحل، وفى لقاءات متباعدة، وبدأنا نفكر فى المستقبل فطالبتني بالتقدم لها، واستشرت أمي فأشفقت على من الرفض لأني غير جاهز، لكنى استخرت الله وذهبت إلى مقابلة أبيها، وشرحت له كل ظروفي، وأنى أكسب ما يعين أسرتي على الحياة وما يسمح لى بإدخار البعض لتكوين مستقبلي، وقلت له أنني أستطيع الزواج فى شقة أمي الواسعة وأستطيع أيضاً الحصول على شقة خلال 3 أو 4 سنوات، فوعدني بالتفكير والرد، وفى الموعد المحدد ذهبت إليه ففوجئت يتحدث معى فى موضوعات عامة، ثم يطلب منى فجأة تغيير بعض أسلاك الكهرباء التالفة فى بالشقة.

فقمت بذلك عن طيب خاطر، وانصرفت بلا رد شاف، واتصلت بى فتاتي تتعجلني لمقابلة أبيها مرة أخرى، لأن أحد أقاربها قد تقدم لها، فذهبت إليه من جديد.. فإذا به يطلب منى إصلاح الثلاجة فأصلحتها وانصرفت بلا طائل، واستمرت الحال على هذا المنوال طوال سنة كاملة أذهب إليه فلا يرفضني ولا يقبلني ويطلب منى إصلاح أعطال الكهرباء فى شقته أو النجف.. أو الأباجورة.. إلخ.

ورأيت الإشفاق فى عين أمي، لكنى لم أيأس وأفرغت همي فى العمل وفى الدخول فى مقاولات صغيرة لأعمال الكهرباء وفى تلبية مطالب إخوتي، وأخيراً اتصلت بى فتاتي لتبلغني أن أباها وأمها يرفضانني لأنى غير جاهز بالشقة، وأعبائي الأسرية كبيرة ولعدم وجود أبى.

وتعجبت من أن يكون غياب أبى سبباً أحاسب عليه، وأنا ضحية لهذا الغياب ولست مسئولاً عنه.. لكنى استسلمت لقدري ووعدت فتاتي بألا أيأس وبأن أبنى حياتي لأكون جديراً بها. وفى هذه الأثناء نجحت بمعجزة فى الحصول على وظيفة بإحدى المدن الجديدة القريبة من القاهرة، كان شفيعي الأول فيها هو خبرتي بالكهرباء رغم شهادتي النظرية، وبعد شهور تسلمت شقة جميلة من غرفتين وأثثتها بأثاث بسيط، واشتريت ( فسبا) للتنقل بين مقر عملي وبين أسرتي التى أتحمل مسئوليتها.

واتصلت بى فتاتي تطلب منى التقدم مرة أخرى، فقلت لها إنني جرحت بما فيه الكفاية وأنى لن أتقدم لها إلا إذا ضمنت لى القبول وطالبتها بتحمل مسئوليتها فى الدفاع عن سعادتنا، فقالت لى إنها واقعة تحت ضغط أسرتها لقبول قريبها وهو تاجر ميسور وجاهز بالشقة، وأنها تطالبني أنا بالتحرك.

فاستجمعت إرادتي وتنازلت عن كرامتي وذهبت لمقابلة أبيها، وبعد الأحاديث التقليدية هممت بالدخول فى الموضوع فإذا به يطالبني بفحص التليفون لأنه كذا..وكذا.. فقاطعته بأدب وقلت يا سيدي إنني لم أحضر إليك لأتحدث عن التليفون، وإنما عن ابنتك فأنا وهى متحابان منذ 5 سنوات، وأنا شاب مكافح كان أبى موظفا مثلك وأسرتي شريفة، وإن كانت بسيطة وأنا موظف ولى نشاط خاص اكتسب منه ما يكفى لتحمل مسئولية أسرتي ورعاية ابنتك.. فلماذا تحرمنا من حقنا فى السعادة؟!

فبدأ يتحدث .. ويؤكد لى أنه يقدر ظروفي لكنه أب ومن واجبه أن يطمئن على ابنته، وأن يوفر لها الأمان، ثم راح يعدد لى أسباب الرفض على أصابعه كأنه يلقى درساً فى المدرسة.. وكل أصبع يشير بها تنغرس فى قلبي كأنها خنجر مسموم.. وفى النهاية غادرت بيته مطعونا فى قلبي وفى كرامتي ومشلولا بالقهر والعجز.. وذهبت إلى بيت أمي وكانت النتيجة واضحة على وجهي فلم تسألني.. ولم تناقشني حين قلت لها إنى سأقيم فى الشقة الجديدة بصفة مستمرة وإن عليها أن تأتى مع أخوتي كل خميس لزيارتي،

رائج :   فوق القمة ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

واعتزلت الدنيا فى هذه المدينة الجديدة عدة شهور لا أذهب إلى القاهرة وكلما جاءت أسرتي تسقطت من شقيقي الذى حل مكاني فى محل الكهرباء أخبار فتاتي، فيقول لى أنها تسأل عنى كل يومين فى التليفون، وإنها قد استسلمت فى النهاية فقبلت خطبة قريبها.

وبعد شهور أخرى قال لى شقيقي أنها اتصلت به وأبلغته أن خطبتها قد فسخت لعدم التوافق، وإنها تطالبني بالتحرك من جديد، لكنى بعد أن سمعت حيثيات الحكم بإعدام حبى على أصابع أبيها، لم أكن على استعداد لأن أتعذب من جديد بأمل كالسراب، وتفرغت تماما للعمل ولمقاولات أعمال الكهرباء الصغيرة.. وذات صباح كنت أباشر إحدى العمليات فى المدينة حين جاءني عامل وأنا معلق فوق سلم عال وقال لى   فيه ناس عايزينك يا بشمهندس)،

فنزلت لأجد فتاتي واقفة أمام المبنى فى يدها حقيبة صغيرة.. تنظر إلى فى انكسار.. وعتاب واندفعت أرحب بها وأحمل عنها الشنطة وأمسكت بيها وسرنا فى الطريق إلى المبنى الإداري، وجلسنا فى مكتبي وقبل أن أسألها عن شىء انسابت دموعها.. وانسابت معها دموعي ومضت دقائق طويلة قبل أن نتمالك أنفسنا ونتحدث عما جرى، وعرفت أن خطيبها هو الذى فسخ الخطوبة بعد أن استشعر جفاءها وعدم رغبتها فيه.. ثم طلبت منى فى النهاية أن استدعى المأذون وأن أعقد قراني عليها لأضع أسرتها أمام الأمر الواقع، وأن هذا هو الحل الوحيد لقصتنا معا.

وأكدت لها أنى لن أفرط فيها مهما حدث.. وقد عانيت جحيم فقدها وذقت مرارته.. لكنى أرفض أتزوجها على غير رغبة أهلها وسأعيدها إلى بيتها.. وأقابل أبيها وسأطلبه للمرة الأخيرة بقبول ارتباطي بها.. بالطريقة الطبيعية لأنها أكرم له ولى ولأسرتينا، وإذا أشار إلى بأصابعه أو حدثني عن التليفزيون فسوف أحطمه فوق رأسه.

فانهارت حبيبتي وبكت واتهمتني بالتخلي عنها ونهضت غاضبة تريد أن تركب الأتوبيس فأسرعت وراءها وأصررت على أن أوصلها ( بالفسبة).. فقبلت مرغمة وهى ساخطة وترفض الحديث معى طوال الطريق.. ولا تجيب على سوى بكلمة واحدة وهى يا خاين، ثم تركتني إلى بيتها وهى تقسم لى إنها سترفضنى إذا وافق أبوها على. إنني أكتب إليك هذه الرسالة من القاهرة وقد حصلت على أجازة من عملي لأنهى هذا الموضوع، وأسألك هل أخطأت حقاً يا سيدي برفضي عقد قراني عليها بغير رضا أهلها.. وهل كنت جباناً كما تتهمني فتاتي.. وهل سيوافق أبوها على قبولي بعد كل ما جرى.. ولو وافق هل ستنفذ حبيبتي قسمها.. وترفضني حقا كما توعدتني؟

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

لا يا صديقى أنت لم تخطىء حين رفضت أن تضع أسرة فتاتك أمام الواقع و أن تنهى عذابك الطويل بهذه الطريقة , فقلد تصرفت بدافع قوى من أحساسك بالمسئولية العائلية , فرفضت لفتاتك ما لا تقبله لشقيقتك , و أبيت أن تضع أباها فى الحرج الذى لا ترضاه انت لنفسك اذا وضعتك فيه الظروف مشابهة , مع انك لو استجبت لرغبتها لما لامك كثيرون بعد كل هذا الكفاح من جانبك لتنال فتاتك , و كل هذا التحجر من جانب أبيها , لكنك أخترت الحسنى و التصرف النبيل و هذا هو قمة الأحساس بالواجب و المسئولية عمن نحب , و يبدو يا صديقى أن تحملك لمسئولية أسرتك منذ الصغر قد أكسبك نضجاً و عقلانية يفوقان سنك بمراحل فهل مثلك يرفضه العاقل ؟

رائج :   الخديعـــة المؤقتـــة ‏!‏! .. رسالة من بريد الجمعة

و هل من المنطق أن تحرم أنت فتاتك و تحرم هى منك و أنتما تكافحان منذ 5 سنوات لنيل موافقة أب يرى غضاضة فى قبولك لظروفك العائلية , و لا يرى غضاضة فى استغلالك و تكليفك بأصلاح أجهزته المنزلية و تحدثه عن ابنته فيحدثك عن أكباس الكهرباء .
أننى من المؤمنين دائما بأهمية موافقة الأهل على الزواج .. و من المؤمنين دائما بسمو منزلة الأب و مسئولية عنأبنائه , بل و لعلى من المعجبين ايضاً بما يعيطية الفلسفة الكونفوشية من منزلة الأب فى الأسرة ترفعه الى منزلة الأمبراطورية فى الدولة , لكن هذه الأمبراطورية لابد أن تقوم دائما على دعائم من الرحمةو العدل و الفهم لمشاعر الأبناء و تقديرها , لكى يستحق الأب منزلته فيها و لكيلا تنهار هذه الامبراطورية من أساسها ..و يشق عليها رعاياها عصا الطاعة .

والرسول الكريم الذى ينهى عن عقوق الأبناء للآباء ويطالبنا دائما بأن نعرف للأب حقه وفضله هو نفسه من يقول: رحم الله والدا أعان ولده على بره. أي أعانه على أن يكون بارا به بعدله معه وبرحمته له، وما فعله أبوها معها ليس من الرحمة ولا من العدل فى شىء، فرغبة ابنته فيك صادقة، وليس من العقل أن نحرم أبناءنا من السعادة ونحن نتصور أننا بذلك نحققها لهم، ونحن نستطيع مهما أوتينا من الحكمة أن نحس بمشاعرهم ولا أن نختار لهم ما لا يقبلون..

فلماذا هذا العذاب وطريق السعادة واضح.

إنك لست جباناً يا صديقى كما تتهمك فتاتك فى غضبها، بل أنت شجاع شجاعة العقل والقلب معاً. فاذهب إلى أبيها للمرة الأخيرة وأرو له كل ما حدث بلا مواربة.. وقل له أنك كنت تستطيع أن تضعه أمام الأمر الواقع لكنك رب أسرة مثله ولا تقبل له ما لا تقبله لنفسك، لذلك فقد فضلت أن تأتى البيوت من أبوابها..

فإما أن يوافق للمرة الأخيرة.. وإما أن تصبح أنت فى حل من أى تصرف تراه مناسباً للجمع بينك وبين فتاتك، وهى فى النهاية لن تعدم الوسيلة لتحقيق رغبتها.. ولا أنت كذلك، فإن استجاب لك كما ينبغي لعاقل أن يفعل، كان بها.. إما إذا رفض من جديد وحدثك عن التليفزيون فأنت فى حل من أن تحطم التليفزيون والثلاجة أيضاً فوق رأسه المتحجر.. والله معك. أما قسم فتاتك برفضك إذا قبلك أبوها.. فلا تخش شيئاً منه فهو ليس سوى انفعال عابر عن ضيقها وقنوطها، فهي فى ضيق أشد من ضيقك وسوف تكفر عن حنثها باليمين حين تتحقق الأحلام، وستكون أسعد الناس بأداء الكفارة ودفع هذا الثمن البسيط مقابل أن يجمع الله بينكما بعد طول انتظار.


لطفا .. قم بمشاركة الموضوع لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

مقالات ذات صلة