من كتاب “الصامتون يتكلمون” لسامي جوهر الصادر عام ١٩٧٥:
يروي عبد اللطيف البغدادي أنه ذهب مع كمال الدين حسين وحسن إبراهيم إلى مقر غرفة العمليات يوم ٥ يونيو ١٩٦٧، ويقول:
“كان كبار الضباط داخل الغرفة واقفين أمام الخرائط يحددون الموقف طبقا للتبليغات التي تصلهم.
وكان عبد الحكيم عامر (نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة) في غرفة مكتبه بغرفة القيادة ومعه شمس بدران (وزير الحربية) والفريق أول علي علي عامر (قائد القوات العربية المشتركة).
وكان الوقت ظهرا. ودخلنا مكتب عب الحكيم عامر، وكان يبدو عليه الارتباك.
وسألته: “إيه الموقف يا عبد الحكيم؟” فأجاب: “زفت.”
وسألته: “وما موقف الطيران؟”
فأجاب بغيظ: “خسرنا أغلب طائراتنا.
ضربوا كل المطارات في لحظة واحدة.”
وسأله كمال الدين حسين: “وحاتعمل إيه من غير غطاء جوي لقواتك؟”
فأجاب عبد الحكيم: “احنا عندنا خطة نحارب ٦ شهور من غير غطاء جوي.”
وبدأ عبد الحكيم يتلقى سير العميلات.
وجلسنا أنا وكمال الدين حسين على أريكة في الغرفة نتابع ما يجري أمامنا.
كانت الصورة تدل على فشل كامل.
وبعد الظهر حضر جمال عبد الناصر، ودخل إلى مكتب عبد الحكيم عامر مباشرة، وبمجرد أن شاهدنا قال باسما :والله زمان يا سلاحي.”
وكان يبدو عليه الاطمئنان ممسكا بأعصابه، كان طبيعيا جدا. وجلس على كرسي في قمة المكتب بينما وقف شمس بدران خلف المشير عبد الحكيم عامر وجلس الفريق أول علي عامر فب نهاية الغرفة.
وبدأ غبد الناصر يوجه أسئلة لعبد الحكيم عامر، بدأها بسؤاله: “أد إيه خسرت طائرات؟”
ورد عبد الحكيم: “مفيش بيان كامل لغاية دلوقت.”
وبدأ الضيق يبدو على عبد الناصر وهو يقول: “يعني إيه؟ مش عارف أد إيه الخسائر؟”
ورد عبد الحكيم بسرعة وبصوت من نفذ صبره: “عندنا ٧٣ طائرة فقط، منها ٢٨ صالحة للطيران وتسعة عايزين إصلاحات.”
وسأله عبد الناصر “وإيه موقف بقية القوات؟”
ورد عبد الحكيم: “كويس.”
فأعاد عبد الناصر سؤاله: “يعني إيه كويس؟”
وتظاهر عبد الحكيم بأنه لم يسمع سؤال عبد الناصر، وانهمك في قراءة ورقة قدمها له شمس بدران عن سير العمليات، وبعد أن انتهي من قراءتها ناولها لعبد الناصر.
وبدأ عبد الناصر يقرأ الورقة، وبدأت حالة القلق تنتابه…
وبعد أن انتهى من قراءة الورقة وجه حديثه إلى عبد الحكيم قائلا: “الله يا عبد الحكيم؟ دي خان يونس سقطت، ورفح مقطوع الاتصال بها من الساعة التاسعة صباحا، وغزة تهاجم. إيه الحكاية؟
عايز أعرف الموقف بالضبط علشان قرار مجلس الأمن الليلة.”
ولم يرد عبد الحكيم، وتظاهر بانهماكه في أحاديث تليفونية….
وصاح فيه عبد الناصر: “فضّي لي نفسك شوية يا عبد الحكيم.”
ولم يرد عبد الحكيم واستمر في انهماكه بالحديث في التليفونات، فقام عبد الناصر والضيق باديا عليه ودخل إلى غرفة نوم ملحقة بالمكتب…
(واستلقى) فوق السرير ينظر في سقف الغرفة … (ثم قال) “يا اللا نروح ونسيب عبد الحكيم يشتغل.”
وعندما هممنا بالإنصراف توقف عند الباب واستدار إلى عبد الحكيم وقال له: “يا عبد الحكيم، طلّع حاجة للجرايد.”
فرد عبد الحكيم متسائلا: “نقول أسقطنا مائتي طائرة؟”
فقال عبد الناصر: “بلاش نقول نص العدد. نقول إننا توغلنا في الأراضي الإسرائيلية وسأجعل هيكل يكتب هذا البلاغ…” …
البلاغ الأول في الساعة العاشرة والدقيقة ١٥ ونصه:
“قامت إسرائيل في الساعة التاسعة من صباح اليوم بغارات جوية على القاهرة وعلى جميع أنحاء الجمهورية العربية المتحدة، وقد تصدت لها طائراتنا وأسلحتنا المضادة للطائرات.”
!!!!!!!!!!!!!!
البلاغ الثاني بعد ١٥ دقيقة:
“أسقطت ٢٣ طائرة إسرائيلية حتى الآن في الغارات التي شنتها إسرائيل على الجمهورية العربية المتحدة صباح اليوم.”
!!!!!!!!!!!!!!
البلاغ الثالث بعد ٣٠ دقيقة وفي تمام الساعة الحادية عشرة ونصه:
“ارتفع عدد الطائرات التي أسقطت حتى الآن ٤٢ طائرة.”
!!!!!!!!!!!!!!