بريطانيا .. تقف وحيدة عاجزة عن إيقاف التمدد الألمانى فى أوروبا متسلحة فقط بمعنويات شعبها المرتفعة و بأسطولها القوى و سرب طائراتها المتطور .. عوامل قد تنفعها لفترة و لكنها لن تستطيع الصمود إلى ما لا نهاية خصوصاً مع إستمرار الوضع كما هو عليه .. علم وينستون تشرتشل و معاونيه هذه الحقيقة أكثر من أى أحد أخر .. علموها أكثر من الشعب البريطانى .. علموها أكثر من هتلر نفسه ..
هتلر لو كان يعى تلك الحقيقة كما وعيها تشرتشل لكان استمر فى الهجوم على بريطانيا براً و بحراً غير مكترث بأرقام الخسائر لأن فى النهاية كان النصر محسوم له .. نصف موارد أوروبا المعدنية تحت يده .. مصانع أوروبا الغربية كلها تعمل تحت إمرته .. هناك دولاً كثيرة كانت على الحياد و ليست بعيدة عنه كان يستطيع تدبير إحتياجاته منها .. إسبانيا .. البرتغال .. السويد .. حتى إنه ذهب إلى المكسيك و استورد منها نفطاً ..
لو كان استمر فى قتال بريطانيا لدانت له الجبهة الغربية كلها .. و لكانت أيقنت أمريكا أنها يجب عليها النأي بنفسها بعيداً عن هتلر و قواته – على الأقل مؤقتاً – و لكنه الغرور .. الغرور الذي دفع هتلر لعدم التمسك بقوة موقفه و التخلى عن معاهدته مع روسيا التي قرر غزوها بحثاً عن مواد خام جديدة .. تباً لمساحة العيش اللعينة التى أدخلت الألمان فى تلك الورطة ..
تشرتشل علم أن المسألة مسألة وقت و إن لم يحدث تغيير فى موازين القوى فمصير بريطانيا سيكون كسابقيه من دول أوروبا .. بريطانيا تلك الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس ستسقط و سيسقط معها كل مستعمراتها الخارجية بالتبعية .. يجب حدوث معجزة ما .. يجب حدوث تغيير ما على الأرض و إلا فإنها النهاية .. نبرة يأس ملحوظة فى خطابات تشرتشل فى تلك المرحلة لا تخطئها أى أذن فى العالم .. أخطأتها فقط أذن هتلر ..
دون أى تدخل من بريطانيا و رئيس وزرائها تحدث المعجزة التى طالما حلموا بها .. هتلر يغزو روسيا .. و اليابان تضرب بيرل هاربور الميناء الأمريكى الشهير .. بعدها لم يجد فرانكلين روزفلت رئيس الولايات المتحدة مفراً من إعلان الحرب على اليابان و حليفتها ألمانيا .. قدراً وجدت بريطانيا نفسها محاطة بحليفين فى غاية القوة فى الشرق والغرب .. روسيا و الولايات المتحدة .. بريطانيا لم تعد وحيدة .. هنا تغيرت نبرة صوت تشرتشل .. سنحارب للنهاية .. و سننتصر ..
تحركت قوات الحلفاء من الولايات المتحدة و بريطانيا تجاه كازابلانكا فى المغرب بهدف واحد فقط .. السيطرة على البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا .. لو تم لهم ما أرادوا فهذا يعتبر أول مسمار فى نعش الرايخ .. فى المغرب كانت هناك قوات فرنسية تتبع الجمهورية الفرنسية المحتلة من الألمان أو كما عرفت تاريخياً بـجمهورية فيشى و كانت لا تزال تسيطر على البحر الأبيض المتوسط .. بالطبع دار قتال عنيف و لكن كان ميزان القوى يميل بشدة إلى الأسطول الحربى للحلفاء .. و خلال يومين فقط قامت قوات الحلفاء بالسيطرة على الموقع الإستراتيجى وأنزلت قواتها فيه .. السيطرة على المغرب و الجزائر كانت يسيرة بسبب قوات الحلفاء الكبيرة من جهة و بسبب أن أغلب قادة وجنود جمهورية فيشى لم يكونوا يرغبوا بقتال الحلفاء .. ما كان يخشى منه هتلر حدث .. لم يكن يضمن أبداً ولاء القوات الفرنسية ..
فى ذلك الوقت حاولت بريطانيا و أمريكا حشد جهود كل قوات الحلفاء و ترميم الشروخ التى ألمت بها بعد إنقسام القوات الفرنسية فتم عقد مؤتمر كازابلانكا بحضور روزفلت و تشرتشل و الجنرالان الفرنسيان شارل ديجول و هنرى جيرو .. تم إتحاد قوات الحلفاء من جديد و معها صارت اللهجة أعنف و أقوى .. إستسلام ألمانيا و إيطاليا و اليابان الغير مشروط ..
روميل كان يتراجع غرباً فى نفس الوقت كانت قوات الحلفاء تتجه شرقاً .. تقابلوا فى تونس و هزمت قوات المحور .. تم السيطرة على الشمال الإفريقى بالكامل و معها لم يجد هتلر بداً من تأمين الساحل الجنوبى لفرنسا عن طريق اقتحام المنطقة الحرة غير المحتلة و السيطرة على ميناء طولون و السيطرة على سفنه الحربية و لكن قادة البحرية الفرنسية سبقوه و قاموا بإغراق سفنهم حتى لا تقع فى يد القوات النازية .. صدمة أخرى لهتلر فى الجنوب .. كيف سيسيطر على البحر الأبيض المتوسط فى ظل نقص السفن الحربية .. لقد صار الأمر أقرب للمستحيل .. تعددت الجبهات و صار الحفاظ على تماسك الرايخ شيئاً صعباً ..
ترك الحلفاء فرنسا التى تجمعت فيها قوات هتلر و اختارت النقطة الأضعف للقيام بإنزال قواتهم .. إيطاليا و تحديداً صقلية ما أجبر هتلر على سحب بعض من قواته فى الجبهة الشرقية بعد خسارة معركة كورسك لدعم موسولينى .. موسولينى الذى تم عزله من السلطة من قبل الحكومة الإيطالية الجديدة ما جعل هتلر يرسل فرقة ألمانية لإنقاذه و إعادته للسلطة .. بعدها إجتاحت ألمانيا إيطاليا لمقابلة أى إنزال للحلفاء فيها ..
نجح الحلفاء فى إنزال قواتهم فى إيطاليا بالفعل ولكنهم تعطلوا لعدة أشهر عند خط جوستاف الدفاعي عند منطقة مونت كازينو وسط إيطاليا و بعد مواجهات عده اكتشف الحلفاء منطقة جبلية غير محمية جيداً لوعورتها فتسلل منها بعض قوات الحلفاء ما أحدث ثغرة فى خط جوستاف و عليه صار طريق الحلفاء مفتوحاً إلى روما ..
خطة الحلفاء كانت تقضى بالإنزال فى جبهتين .. جنوباً فى إيطاليا و شمالاً فى فرنسا .. تحديداً 5 نقاط إنزال أبرزهم شاطئ نورماندى .. و فى 5 يونيو نزل المظليون الحلفاء على شواطئ النورماندى محاولين تأمين وصول أسطول الحلفاء المكون من 5000 سفينة إنزال ساعدهم فى الوصول بسلام سوء الأحوال الجوية التى منعت طائرات الإستطلاع الألمانية من إكتشافها .. كان أصعب إنزال فى التاريخ ..
تخيل شاطىء رملى ضيق تصل إليه قوارب الإنزال المكدسة بالجنود و على الطرف الآخر نقاط تجمع الألمان المحصنة و المجهزة بالمدافع الرشاشة و على الجنود المسلحين بالبنادق و القنابل اليدوية تفادى طلقات الرصاص الألمانية و الوصول إلى نقاط الألمان المحصنة و تدميرها عن طريق القنابل كل هذا و هم منهكين من تكدسهم بالقوارب و أيضاً من تلاطم الأمواج بهم .. كان جحيماً بلا شك .. و كان الإنزال يتجه إلى الفشل .. و لكن إن فشل ذلك الهجوم فلن ينجح أى إنزال أخر .. كانت النورماندى أضعف خطوط دفاع الألمان المسمى خط الأطلسى ..
نجح بعض الجنود بالمرور بمساعدة الطيران الملكى البريطانى و هو ما تكرر فى شاطىء جونو إحدى نقاط الهجوم البريطانى على السواحل الفرنسية .. بعد مقاومة عنيفة إستسلم الجنود الألمان .. سيطر الحلفاء على النورماندى و معها تم دعم تلك الجبهة و خلال أسبوع واحد بأكثر من 10 آلاف جندى يومياً و أكثر من 3200 مركبة و 15 ألف طن من التعزيزات و خلال شهرين فقط كانت قوات الحلفاء تسيطر على شمال غرب فرنسا و تم أسر عشرات الآلاف من الجنود الألمان .. تم أسر 50 ألف جندى فى معركة فاليه وحدها .. هنا بدأت الأمور تتدهور أكثر فى جبهة فرنسا .. الحلفاء نجحوا فى إنزال جديد فى سان تروبيه فى الجنوب و خلال أسبوعين تم تحرير الساحل الجنوبى حتى مارسيليا .. الرايخ فى خطر حقيقى الآن ..
إمتد تقدم الحلفاء شمالاً و جنوباً و شعر الجيش الألمانى بإمكانية حصاره فانسحب تجاه الشرق و مع هذا التراجع إندلعت حرب الشوارع بين حركات المقاومة و بين الجنود الالمان .. صار الجنود فى جحيم حقيقى فهم لم يعودوا يقاتلون على جبهات الحرب فقط و لكن الآن صار الهجوم عليهم يأتى من كل مكان .. و مع ذلك الهجوم استسلمت القوة الباقية فى باريس بقيادة الجنرال ديتريتش فون كولتيتز .. الآن تحررت باريس ..
الآن صارت ألمانيا مكشوفة أمام قوات الحلفاء .. لعبت طائرات التحالف الدور الأكبر فى هزيمة ألمانيا فصار القصف ليل نهار على المدن الالمانية بالقنابل الحارقة و تم تسوية مدنها بالأرض .. مدينة مثل دريسدن مثلاً تم هدمها بشكل كامل حرفياً .. ظلت المدينة مشتعلة 7 أيام .. كان إنتقام الحلفاء شنيعاً .. بينما كانت القوات الأمريكية و البريطانية تتقدم فى الجبهة الغربية و دخولها حدود ألمانيا كانت القوات الروسية تقتحم شرقاً .. تقابلوا فى منطقة إلب قرب جسر تارجاو فى 25 إبريل 1945 .. سقطت برلين أخيراً ..
و بعد 5 أيام فقط أى فى 30 إبريل كان الجيش الأحمر يقترب أكثر و أكثر من مقر إقامة هتلر .. كان يجب إسدال الستار على تلك المسرحية و بسرعة .. أراد هتلر الموت فى ألمانيا .. قتل كلبه العزيز بلوندى .. و انتحرت قبله عشيقته إيفا براون بعد أن ابتلعت حبة من السيانيد .. كان قد تزوجها بشكل رسمى قبلها بيوم واحد .. ثم انتحر بإطلاق رصاصة على رأسه ..
استمر توغل الجيش الأحمر حتى وصلوا إلى مبنى المستشارية فى صورة تحمل الكثير من العظمة للجيش السوفييتى و قائده جوكوف و تحمل الكثير من المهانة للنازية و رموزها .. تم القبض على رموز النازية و على رأسهم هيرمان جورينج الرجل الثانى فى الرايخ .. و فى الخامس من مايو 1945 وقع المشير فيلهلم كايتل وثيقة استسلام ألمانيا غير المشروط ..
ألمانيا النازية إنتهت و إنتهى معها حلم الرايخ الثالث .. إمبراطورية هتلر التى طالما حلم بها .. إمبراطورية لا تشمل أوروبا فقط و لكنها تشمل العالم كله .. إمبراطورية تجعل الجنس الآري فوق كل أعراق العالم و من هم دونهم يجب أن يعملوا و يكدحوا من أجل أن تنعم ألمانيا و شعبها ..
مات هتلر و أغلقت صفحة النازية و معها الفاشية أيضاً بموت موسولينى على أيدي شعبه .. و لكن الحرب لم تنتهى بعد .. فلازالت هناك اليابان .. و لكن لكى نعرف كيف انتهت الحرب معها .. يجب أن نعلم كيف بدأت بالأساس .. فبلاد الشمس المشرقة كانت تطمح هي الأخرى إلى إمبراطورية أسيوية لم ترى البشرية مثالاً لها من قبل .. يبدو أن قوات المركز دخلت الحرب بحثاً عن أطماعها الشخصية و لهذا باء تحالفها بالفشل .. اليابان قصة أخرى ..