تاريخ

الحرب العالمية الثانية .. الجزء الرابع || الإنتقام

آلة الحرب الألمانية إنطلقت و لم يعد يتوقع أحد أن تقف .. الموضوع صار أكبر حتى من طموح هتلر الشخصى بالإنتقام ممن أذلوا ألمانيا .. المبادىء النازية تسللت إلى نفوس الجنود الألمان و حتى المدنيين من الشعب الألمانى .. نحن عرق مختلف .. نحن عرق أرقى من كل أعراق الدنيا .. لابد و أن نحكم .. لابد و أن نسود .. لم يعد يتوقع أى شخص فى أوروبا أين تكون الضربة القادمة .. صارت أوروبا مثل كعكة تنتظر أن يقضمها هتلر و لكن غير معروف أى قطعة فيها يشتهى أولاً ..

روسيا بمعاهدة عدم الاعتداء التى وقعتها مع ألمانيا كانت فى أمان نسبي .. ألمانيا بعد الإستيلاء على بولندا و تشيكسلوفاكيا و الدانمرك و النرويج لم تكتفى بذلك فقد حان وقت الإنتقام .. فرنسا تحت التهديد الألماني لأول مرة منذ بدأ الحرب .. فرنسا كانت محمية بخط ماجينو المواجه للحدود الألمانية حتى بلجيكا و بالتالى كانت عيونهم تتجه إلى الحدود البلجيكية لأنها الأسهل فى عبور القوات الألمانية و لأنها نفس خطة هجومهم فى الحرب العالمية الأولى .. تفكير منطقى بالطبع .. لكن هتلر كان له رأى أخر ..

قد يفيدك أن تمسك خريطة أوروبا و أنت تقرأ ذلك المقطع لكى تلاحظ عبقرية الألمان فى هجومهم على فرنسا .. فى الشمال الشرقى من فرنسا تقع ثلاث دول .. هولندا و بلجيكا و لوكسمبورج .. فى الجنوب الشرقى ألمانيا و خط ماجينو .. طلب هتلر من قوات المظليين الهجوم بكثافة على هولندا والسيطرة على المطارات و الجسور و قصف ميناء روتردام و كل ما من شأنه مساعدة هولندا فى نقل مركباتهم و بالتالى شل حركة هولندا حال رغبتها بمساعدة قوات الحلفاء .. تم فصل هولندا و تأمين ظهر القوات الألمانية فى بلجيكا ..

أمر هتلر قواته البرية باقتحام بلجيكا و هو ما لم يكن سهلاً و لكنه كان ممكناً .. تم اقتحام حصن إبين إيميل أقوى حصون بلجيكا و بدأت دخول الأراضى البلجيكية .. هنا تأكدت القوات الفرنسية و البريطانية من أن المواجهة ستتم على أراضى بلجيكا مما سيجنبهم بالتأكيد تدمير بنيتهم التحتية و تجنيب بلادهم خسائر بشرية و مادية كبيرة .. فرنسا اعتبرت بلجيكا أرضاً محايدة للمعركة ..

على الحدود بين فرنسا و بلجيكا و لوكسمبورج غابة أشجار كثيفة تسمى غابات أردين فى أخرها داخل الأراضى الفرنسية يقبع خط ماجينو .. هتلر كان قد وزع بعض القوات على طول خط ماجينو للتمويه إلا فى تلك المنطقة ..

رائج :   تطور الكتابة الإنجليزية على مدار الألف عام الماضية

و مع تحرك القوات الألمانية داخل هولندا و بلجيكا فقد اعتبر الفرنسيين أن تلك هى آخر نقطة على الأراضي الفرنسية يمكن الهجوم عليهم منها بسبب الغابات الكثيفة و بسبب خط الدفاع و بسبب عدم وجود قوات ألمانية على الطرف الأخر .. ابتلع الحلفاء الطعم و قاموا بتحريك أغلب قواتهم داخل الأراضى البجيكية لملاقاة الألمان فيها .. أمر هتلر قواته البرية و الجوية بعدم اعتراض قوات الحلفاء و تركهم يغوصون أكثر داخل بلجيكا .. كلما دخلوا أكثر إبتعدوا عن خط إمدادهم و صار رجوعهم للخلف مستحيل ..

ما أن اطمئن هتلر للمسافة التى قطعتها قوات الحلفاء داخل بلجيكا حتى أمر مجموعة كبيرة من قواته بإقتحام منطقة غابات آردين .. حسب تقديرات الحلفاء فلا تستطيع أى دبابة أوروبية إقتحام تلك المنطقة و عبور خط ماجينو .. دبابات ألمانيا فعلتها و عبرت تلك المنطقة فى ثلاثة أيام فقط و خلال اليوم الرابع كانت القوات الألمانية تبنى الجسور على نهر ميز لعبور الدبابات تجاه سيدان ..

الآن المظليين فى هولندا سيطروا على الوضع و حموا ظهر القوات المتواجدة فى بلجيكا و قوات الحلفاء أمامهم فى منتصف بلجيكا تقريباً أما على الأراضى الفرنسية فقد كانت القوات الألمانية تأخذ مواقعها فى قرى الشمال و الشرق الفرنسيين .. الآن قوات الحلفاء محاصرة بالكامل بين القوات الألمانية ما اضطرهم إلى الانسحاب إلى القنال الإنجليزى فى منطقة دانكيرك .. معها استسلم ملك بلجيكا و حاولت القوات الفرنسية الدفاع عن نفسها لكن دون جدوى .. النتيجة كانت 400 ألف جندى محاصرين فى دانكيرك .. خسر الحلفاء ما يقارب الـ 60 ألف و تم إجلاء الباقى فى سفن بريطانية إلى بلدة دوفير .. الآن الطريق مفتوح إلى باريس و المسألة مسألة وقت لا أكثر ..

بعد 10 أيام فقط من استيلاء الألمان على دانكيرك توجهوا إلى باريس و انتشروا فى المدينة و رفع علم النازية فوق برج إيفل .. كان هذا أسعد أيام هتلر قاطبة .. خلال شهر من المواجهات فى فرنسا قتل 100 ألف جندى .. أسر 1.85 مليون أخرين بخلاف 63 ألف ضابط من رتب مختلفة .. خسارة عظيمة للجيش الفرنسى رسخت فى الأذهان صورة الجندى النازى الذى لا يقهر .. 

جوزيف جوبلزوزير الدعاية فى الحكومة النازية كان ماهراً جداً فى إظهار هذا المعنى فيكفيك مشاهدة طابور عرض واحد لأى وحدة من وحدات الفيرماخت لتفهم ما أقصده .. جنود يمتازون بالطول .. قاماتهم ممشوقة .. مشيتهم واحدة واثقة متشابهة بشدة .. نظرة صرامة وقوة فى عيونهم .. نظام شديد .. صدرت تلك الصورة كدليل على تفوق الجندى الألماني .. و أكدت عليها معركة فرنسا ..

رائج :   الحرب العالمية الثانية .. الجزء الثامن || سقوط الرايخ

خسارة أجبرت فرنسا على توقيع معاهدة الاستسلام درءاً لخطر تدمير فرنسا كلها .. حضر هتلر إلى فرنسا فى 20 يونيو 1940 و لم يحضر إلى أى مكان بل حضر إلى كومبيان .. تلك الضاحية الواقعة 45 ميل شمال شرق باريس .. تلك التى تم توقيع معاهدة استسلام الجيش الألمانى فيها فى الحرب العالمية الأولى .. و إمعاناً فى تأكيد المعنى فقد أحضر نفس عربة القطار التى تم فيها توقيع المعاهدة الأولى .. هتلر أذل فرنسا و حصل على انتقامه أخيراً ..

قسمت فرنسا إلى جزئين .. الشمال و الغرب كان فى يد ألمانيا و الوسط و الجنوب كانوا تحت سيطرة الحكومة الفرنسية مع عاصمة جديدة هى مدينة فيشى .. خسرت فرنسا الكثير من المعدات فهى خسرت 2000 دبابة و 5000 مدفع و 300 ألف بندقية و 4 مليون رصاصة و أيضاً كميات هائلة من الملابس بخلاف المصانع و كل خيرات فرنسا من المواد الخام .. كل هذا جعل فرنسا أسيرة أمر ألمانيا حتى و إن كان نصف مساحتها تحت سيطرة الحكومة الفرنسية صورياً إلا أنها فعلياً كانت تحت إدارة هتلر نفسه .. تم تجريد الجيش من المعدات الثقيلة و تم تقليل قواته إلى أقصى حد ممكن مع بقاء السفن الحربية فى المرافىء دون مشاركة فعلية فى الحرب ..

خشى وينستون تشرتشل من تعاون أسطول فرنسا مع هتلر بسبب عدم استقلالية قرار فرنسا الآن فقام بإتخاذ واحداً من أكثر القرارات تهوراً فى ذلك الوقت و هو تخيير القوات البحرية الفرنسية بين الإنضمام له أو مهاجمتها فذهب إلى أكبر ميناء بحرى يضم قطعاً فرنسية ذلك الوقت مرسى الكبير فى الجزائر و تم تخيير الوحدات بالإنضمام للأسطول الإنجليزى أو إنضمام الأطقم الفرنسية لهم ثم تدمير الوحدات البحرية الفرنسية حتى لا يستفيد منها الألمان .. رفضت القوات الفرنسية تلك الخيارات فهاجمها الأسطول الإنجليزى فأغرق سفينة و أصاب إثنان و قتل 1297 بحاراً .. هنا قطعت الحكومة الفرنسية العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا .. يا لسعادة هتلر ..

إنجلترا .. ساعدها عاملين مهمين .. أولاً هى جزيرة .. ثانياً هى على أطراف أوروبا الغربية و بالتالى هناك صعوبة فى الوصول إليها .. لم يصمد جيش أوروبى واحد فى المواجهة البرية أمام ألمانيا .. القوة العسكرية البرية لألمانيا كانت جبارة بحق .. لم يبقى أمامهم من أوروبا الغربية كلها إلا إنجلترا و لكى يصلوا إليها ليس أمامهم إلا الدخول فى معركة بحرية معها .. معركة أرادها هتلر بأقل الخسائر فلو تواجه الأسطولان البحريان مباشرة فقد يخسر قواته البحرية كلها و حينها يخسر الموانىء التى احتلها من قبل ..

رائج :   تعرف على احداث موقعة عين جالوت(658هـ – 1259م) و الغزو التتاري

لذا اختار الطريق الأسهل .. معركة جوية سميت تاريخياً بإسم معركة بريطانيا شارك فيها من الجانب الألمانى أكثر من 4000 طائرة و من الجانب البريطانى حوالى 2000 طائرة .. أشرف على المعركة من الجانب الألمانى الطيار الأسطورى و الرجل الثانى فى الحزب النازى هيرمان جورينج و ظن أن النصر مؤكد ..

بريطانيا كانت متفوقة فى الحرب فى شيئين فقط .. الأسطول البحرى و الطائرات .. الطائرات الإنجليزية سبيت فاير كانت الأفضل فى العالم وقتها و لم تستطع طائرات لوفتوافا الألمانية مجاراتها بنفس القوة فعلى الرغم من الكثرة العددية للطائرات الألمانية إلا أن من حيث الخسائر فقد خسرت ألمانيا أكثر من 1000 طائرة مقابل حوالى 500 طائرة لبريطانيا .. خلال تلك الفترة هاجمت الطائرات الألمانية إنجلترا بضراوة فدمرت أجزاء كبيرة من لندن و بورتسموث و كوفنترى و مدن أخرى و لكن فى النهاية لم يستطع الألمان السيطرة على المجال الجوى و بالتالى صعوبة غزو إنجلترا .. كان هذا هو أول فشل لهتلر فى الحرب ..

المصانع الألمانية كانت تعمل بكامل طاقتها و بذلك المعدل فمن المنطقى أن تحتاج للمزيد من المواد الخام و المعادن من الحديد و الصلب و البلاتين و الألومنيوم و غيرها .. كان من الممكن أن يستوردها هتلر من الدول التى على الحياد و لكن العقيدة النازية طغت على تفكيره .. الحاجة دائماً إلى مجال حيوى جديد .. لم أستوردتها ما دمت قادراً على انتزاعها دون مقابل .. المواد الخام موجودة و بكثرة شرق أوروبا .. هنا قرر هتلر أسوأ قرار من الممكن أن يتخذه قائد عسكرى .. قرر مهاجمة حليفه فى الشرق روسيا ..

حتى تلك اللحظة كانت أوروبا كلها تقريباً تحت سيطرة هتلر و من ليس تحت سيطرته فهو تحت يد حليفه اللدود روسيا و فى الشرق الأقصى حليفه الأخر اليابان و الولايات المتحدة لازالت على الحياد .. كان النصر قريباً لو لم يكتسب أعداءاً جدد.. كان من الممكن تدبير تلك الاحتياجات من أى دولة محايدة لكنه قرر و بدون تأنى أن يحارب على جبهتين .. نفس خطأ الحرب العالمية الأولى .. الفوز بالحرب قرار .. و هتلر فى تلك المرحلة لم يحسن إتخاذ القرار بالتأكيد ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *