أجمل رسائل بريد الجمعة

حقــل الألغــام ‏!! .. رسالة من بريد الجمعة

من أرشيف بريد الأهرام للكاتب عبد الوهاب مطاوع (رحمه الله)

في البداية أرجو المعذرة لتشوش أفكاري واضطرابها, فالحق أنه لم يكن يخطر لي علي بال من قبل أن أضطر ذات يوم لأن أبوح بأسراري وأطلب المشورة فيها, فأنا شاب في السابعة والثلاثين من العمر, أحمل مؤهلا مرموقا وأعمل عملا محترما, وقد نشأت في ظل تفكك أسري, حيث لم تكن لي أسرة, وانفصل أبي عن أمي وعمرها 21 سنة فقط, وعمري أنا 4 سنوات,

وحتي الآن لم أعرف سببا لهذا الانفصال سوي ماتقوله أمي عن أنانية أبي وضعف شخصيته, وبعد الانفصال خاضت أمي معركة شديدة من أجل الاحتفاظ بي واستماتت في ذلك, وتنازلت عن النفقة بل وعن أثاث منزل الزوجية أيضا مقابل ألا يطالب بي أبي, وبعد سبع سنوات رحل أبي عن الحياة بعد أن كان قد تزوج زوجة أخري وأنجب منها ابنتين, واشتبكت أمي من جديد في مشكلات أخري مع أهل أبي بسبب الميراث وهددوها بانتزاعي منها وجعل الوصاية علي لهم, واضطرت أمي للتنازل عن بعض الحقوق لكي تحتفظ بي علي شرط ألا يكون لهم شأن بي, وكأنهم ليسوا من أقاربي.

وحدث ذلك بالفعل ولم أعرف أهل أبي ولم أرهم منذ ذلك اليوم في أية مناسبة, وعشت حياتي وحيدا مع أمي ووالديها وأقاربها, وعندما تقدمت في العمر بعض الشئ وبدأت أتساءل عنهم, كانت تمنعني من الاشارة إليهم ببكائها بحرقة كلما تحدثت عنهم وروايتها لي عما لاقته منهم طيلة زواجها وبعد طلاقها, فألجأ إلي استرضائها بالكف عن السؤال عنهم وعدم الإشارة إلي هذا الموضوع مرة أخري.

وكافحت أمي كثيرا لتربيتي واضطرت لأن تبيع كل ما تملك وأن تفعل المستحيل لكي تعلمني أفضل تعليم, وتلبي لي كل احتياجاتي, فلم أشك من شئ سوي من وحدتي شبه المطلقة في الحياة وافتقادي لقرناء من سني, فجدي وجدتي كبيران في السن وقليلا الكلام بطبعهما, وأمي تضيق بأن يكون لي أصدقاء, وتقول لي إنهم يعطلونني عن الدراسة, وإذا أردت الخروج وأنا في فترة المراهقة للترفيه عن نفسي مع بعض الأصدقاء اتهمتني بأني أتركها للوحدة وأفضل عليها أصدقائي..

ثم تبدأ من جديد في سرد تضحياتها الجسيمة من أجلي ومأساتها مع أبي وأهله.. وكيف أن الحياة لم تترفق بها, فلم يكن لها حظ التوفيق مع زوج أو ابن, وتبدأ في البكاء فيؤرقني الإحساس بتأنيب الضمير وأشعر بالاشفاق عليها وأستعيد أحاديثها الدائمة عن عظم حق الأم من الناحية الدينية علي الابن وكيف ذكره الله بعد أمره للمؤمنين ألا يشركوا بالله شيئا, فأرجع عن الخروج إلي الأصدقاء في معظم الأحيان, وأمضي أيامي وحيدا أو أصر في حالات قليلة علي الترويح عن نفسي فتكون مأساة تسيل فيها الدموع أنهارا.

وهكذا أنهيت دراستي الجامعية العملية بغير أن أتعامل عن قرب مع أية فتاة, وبغير أن تكون لي صداقات عميقة مع أحد, وبعد التخرج عملت عملا مناسبا وبدأت أوفر بعض دخلي من العمل وأعمل في أعمال إضافية وخاصة.

ومضت بي الأيام حتي وجدتني علي مشارف الثلاثين دون أن أتعرف علي أية فتاة بسبب ظروفي التي أشرت إليها وتربيتي المغلقة وتديني الشديد منذ الصغر.. وبدأت أشعر باحتياجي إلي الزواج والمشاعر العاطفية, فاستجمعت ذات يوم شجاعتي وفاتحت أمي برغبتي في الزواج, فلاحظت علي الفور تغير ملامحها.. وصمتها الطويل قبل أن تنصحني بعدم الاستعجال,

وتلفت أنا حولي فوجدت في دائرتي العائلية فتاة في سن الزواج هي ابنة خالتي التي فوجئت بأنها قد كبرت حتي كادت تنهي دراستها الجامعية, وبعد إيحاءات من جانب خالتي لي بأنه قد آن الأوان لأن أفكر في الزواج, فاتحتها برغبتي في ابنتها ورحبت بي, وعرضت ذلك علي أمي فغضبت غضبا شديدا بدعوي أنني قد تخطيتها وقمت بما كان ينبغي لها أن تقوم هي به,

وبعد ضغوط عديدة مني قبلت أمي قراءة الفاتحة, لكنها اتخذت من مسألة مفاتحتي لخالتي بالموضوع قبل إبلاغها سوطا تجلدني به كل يوم, وازدادت المشكلات حين وجدتني أبحث عن شقة للزواج, وبكت طويلا لأن خطيبتي ستأخذني منها بعد كل ما فعلت من أجلي وماقدمت لي, حتي اضطررت للعدول عن فكرة الاستقلال بمسكن الزوجية واعتزمت علي الإقامة معها وقبلت بذلك خطيبتي, غير أن ذلك لم يمنع أمي من افتعال مشكلة أخري مع شقيقتها وتصعيدها حتي انتهي الأمر بفسخ الخطبة!

وتكررت القصة نفسها بكل فصولها.. وتفاصيلها الرتيبة4 مرات علي مدي5 سنوات, وفي كل مرة كانت أمي تقبل أن أتقدم إلي فتاة مناسبة عائليا واجتماعيا وأخلاقيا, وتتم الخطبة.. وتقبل الفتاة وأهلها أن نقيم مع أمي بعد الزواج ثم لايلبثون بعد قليل وخلال المعاملات الاجتماعية مع أمي أن يلمسوا مدي صعوبتها فيطالبون بمسكن مستقل عند الزواج وتنفجر المشكلات وينتهي الأمر بفسخ الخطبة.

رائج :   المثال المتكرر .. رسالة من بريد الجمعة

وأرجو ألا تظن بي الضعف.. وأن هذا هو السبب في فشل كل هذه الارتباطات, فالحق أنني لست كذلك, وإنما هي فقط أمي ولا أملك أن أتخلي عنها أو أن أتركها تواجه المرض والوحدة في بيتها.. كما أني لن أشعر بالراحة في هذه الحالة, وهكذا فقد وجدت منذ عامين وفي العمارة نفسها التي نقيم بها شقة لا يفصلها عن مسكن أمي سوي جدار وترغب صاحبتها في تأجيرها بعقد محدد المدة 5 سنوات, فوجدت فيها الحل المنشود.. فها هي شقة زوجية مستقلة عن أمي ترضي من سوف أتزوجها, وملاصقة في الوقت نفسه لمسكن أمي فأكون قريبا منها وأؤدي واجبي تجاهها.. فاستأجرت الشقة وصمدت لكل المشكلات التي أثارتها أمي بهذا الشأن.

وبعد ذلك بقليل تعرفت خلال رجوعي من رحلة العمرة.. بسيدة وقور وطيبة وعرفت أن لها ابنة في سن الزواج, فحدثتها عن أمي وكيف تبدو في الظاهر صعبة المراس, لكنها في حقيقة الأمر سيدة طيبة وعانت في حياتها كثيرا, وتقدمت بعد ضغوط شديدة من جانبي علي أمي, لخطبة ابنة هذه السيدة, وشعرت معها بالحب الحقيقي ووجدت في سماحة وجهها والنور الذي يشع من عينيها مايشعرني بالرضا والفرح, ورجوتها كثيرا أن تصمد لأية محاولات لتحطيم ارتباطنا وتتجاوز عنها.. فاستجابت للنداء وتحملت محاولات أمي المستمرة لتطفيشها وكانت صبورا وحنونا علي الدوام وساعدتها طبيعتها الهادئة المتسامحة علي ذلك.

وبدا لي أن القصة سوف تكتمل فصولها هذه المرة.. وشجعني علي هذا الأمل أنني كنت قد اتفقت مع خطيبتي علي أن نتجنب الزيارات العائلية بين أهلها وأمي, لكيلا يلمسوا جفاءها لي أو لخطيبتي أو لهم وتتعقد الأمور, وخيل إلي أن أمي قد سلمت باليأس من إفساد هذا الزواج. خاصة مع صبر خطيبتي ورعايتها لربها في تعاملها معي, فوصفتها أمي ساخطة بأنها باردة, وأسعدني ذلك كثيرا.

وأنهت أسرة خطيبتي اعداد الجهاز وشراء الآثاث, وتم فرشه في مسكن الزوجية وقررنا أن نعقد القران بعد أسبوعين وأن يتم الزفاف بعده بـ10 أيام. وسافرت في مهمة عمل إلي إحدي المحافظات التي أرجع منها في اليوم نفسه متأخرا, ووجدت أمي نفسها وحيدة في المسكن فاتصلت بخطيبتي وأبلغتها أنها تشكو التعب الشديد وتحتاج لأن تكون إلي جوارها حتي أعود أنا من سفري, خوفا من أن يشتد عليها التعب وتضطر للجوء إلي الطبيب.

فأسرعت إليها خطيبتي ومعها أمها ــ واستقبلتهما أمي شاكرة اهتمامهما ــ وجلسن جميعا يتبادلن الأحاديث الودية, فإذا بأمي تتهم خطيبتي وأهلها فجأة بأنهم قد استغلوا طيبتي وأرهقوني ماديا بمتطلبات فوق طاقتي, مع أن كل شيء كان قد تم بالفعل ولم يبق علي الزواج إلا 24 يوما, ولم تتحمل أم خطيبتي هذا الاتهام ودافعت عن موقف أسرتها..

فصعدت أمي المشكلة في حين لم تنطق خطيبتي بكلمة سوي محاولتها تهدئة أمها من ناحية وأمي من ناحية أخري.. ويبدو أن صبر خطيبتي, أو ما تعتبره أمي برودا, قد آثار حفيظتها فأرادت أن تضع له نهاية فماذا تظنها قد فعلت؟ فكر ياسيدي في أي شئ, ولن يهديك فكرك إلي الحل المثالي الذي توصلت إليه أمي لإنهاء صبر خطيبتي وإصرارها علي إتمام الزواج.. فلقد صفعتها علي وجهها أمام أمها.. والاثنتان ضيفتان عليها وسوف تصبح زوجتي بعد24 يوما فقط!

ولست في حاجة لأن أروي لك ما حدث بعد ذلك, فلقد تطور الأمر علي نحو يتعذر معه أي إصلاح.. وحتي حين أرهقت والد فتاتي الطيب بإلحاحي وقبل مشفقا علي الصلح بشرط أن تحضر والدتي اليهم وتعتذر لهم عما حدث, وقبلت خطيبتي بذلك فلقد رفضته والدتها بإصرار من ناحية, ورفضته كذلك أمي من ناحية أخري حتي ولو قبلوا هم باتمام الزواج دون اعتذار, وإلا فلسوف تغضب علي إلي يوم الدين, وبالتالي فعلي أن أختار بينها وبين هذه الفتاة!

ولن تتخيل عمق الألم الذي شعرت به حين جاءت سيارة النقل بعد أيام وتم إنزال أثاث الزوجية من الشقة, ولن أخجل من أن أقول لك إنني قد بكيت في غرفتي كالطفل.. ونزف قلبي دما وأنا أتذكر كيف كنا نحلم بأيامنا المقبلة معا ونتحدث عن حلمنا في إنجاب أبناء يعوضونني عن وحدتي في الحياة بلا أهل ولا أصدقاء.. وعدت من جديد إلي حياتي الكئيبة قبل ارتباطي بهذه الفتاة وليس حولي سوي أمي وأحاديثها المحفوظة عن تضحياتها العديدة من أجلي ومأساة حياتها الشخصية, وكيف أنه لاتوجد فتاة تستحقني وتستحق أن تفوز بثمرة شقائها وتضحياتها من أجلي, ومع ذلك فالأفضل أن أترك لها الاختيار إلي أن تجد لي عروسا تليق بي.

رائج :   الورقة المطوية .. رسالة من بريد الجمعة

وبعد عام من فسخ الخطبة الأخيرة تزوجت فتاتي الطيبة الصبور وتمنيت لها كل السعادة بالرغم من حسرتي الدامية عليها, وذهبت إلي النادي الذي احتفلوا فيه بزفافها ورأيتها وهي خارجة منه إلي السيارة بالفستان الأبيض ودموعي تسيل في صمت, ومشكلتي هي أنني شاب نشأ في طاعة الله وأخشي المعصية, فهل ستظل حياتي علي هذا النحو إلي ما لا نهاية, وماذا أفعل مع أمي؟

إنني لاأريد أن أكون عاقا لها ولا فظا معها, حتي لايغضب الله علي, وليغفر الله لي ما أجده في قلبي من مشاعر غير إيجابية تجاهها, فقد أصبحت أختنق ببكائها وشكواها الدائمة من حظها العاثر ودعائها علي نفسها إذا رأتني حزينا أو متجهما منذ فسخ الخطبة الأخيرة, وحديثها الأبدي عن تضحياتها من أجلي, وأتساءل لماذا إذن تريد أن تكرر هذا الحظ العاثر وتحرمني من أن تكون لي حياة زوجية وعائلية وأبناء؟

وأريد أيضا أن أعترف لك بأمر يخجلني.. هو أنني قبل أن أشعر بالحب تجاه آخر خطيباتي, كنت أضعف عاطفيا مع كل فتاة خطبتها ويخيل إلي أنني أبحث عن الحب, أما الآن فإني لم أعد أبحث عن الحب وإنما عن الزواج فقط لكي أحمي نفسي من الزلل وأتجنب المعصية وغضب ربي علي. فجسدي في حالة غليان وأنا أتماسك وأحاول الصيام حتي لا أقترف الحرام, وأعمل كثيرا وبطريقة مجهدة لكيلا أفكر في الخطيئة, لكني بشر في النهاية وحولي فتيات وسيدات في كل مكان, فهل يمكن لي أن أتزوج ذات يوم.. وماذا أفعل مع أمي لكي يمكن إتمام مثل هذا الزواج؟

ولكاتب هــذه الرسـالة أقــــول (رد الكاتب عبد الوهاب مطاوع) :

أعانك الله علي تحمل أقدارك وعلي التعامل معها بحكمة تخرجك من هذا النفق المظلم الذي تجد نفسك فيه موزعا بين تطلعك المحروم للحياة الطبيعية, وبين الاتهامات الظالمة لك بالتنكر لتضحيات أمك الجسيمة من أجلك!

فالحق أن والدتك تكرر معك ذلك النموذج النفسي النادر للأم الوحيدة التي تكرس حياتها لابنها الوحيد, وتضحي من أجله باعتباراتها كامرأة, فتعتمد عليه لا إراديا في تعويض كل ما عانته من وحدة وحرمان وعناء.. وترغب في امتلاكه والاستئثار به دون الجميع.. وتشعر بالهلع الشديد حين يتطلع بمشاعره وغرائزه إلي أنثي أخري, فتقاوم كل علاقة عاطفية له وكل مشروع ارتباط يعرض له, وتتفنن في ابتكار شتي الحيل لكي تدمره باعتباره خطرا داهما عليها يهددها بفقدان الابن المحبوب!

ولقد قال عالم النفس الأمريكي كولز في تشخيصه لهذا النموذج الذي أطلق عليه وصف الأم المتوحشة أنها لاتتورع في بعض الحالات عن الانحدار إلي مستوي التفكير الإجرامي في إبعاد الأخريات عن ابنها, وقد يصل بها الحال إلي ارتكاب الأفعال اللا أخلاقية لتحقيق أغراضها, كالكذب والافتراء والخديعة.. والإيهام بغير الحقيقة وإثارة الشكوك في إخلاص الفتاة التي تتجه إليها مشاعرالابن.. والحط من قدرها والتشكيك في جدارتها به, ونياتها تجاهه.. وتحريضه عليها وتحريضها هي نفسها عليه, إلي غير ذلك من الحيل والوسائل.. فإنه لم يفلح كل ذلك في تحقيق الهدف المنشود, فقد تمرض بالفعل بتأثير القلق النفسي والخوف القاتل من فقد الابن.. أو تتمارض لاستثارة عطفه وإعادة نفسها إلي بؤرة اهتمامه وإشعاره بالذنب تجاهها علي أمل صرفه عما يمضي إليه, ومن واجب الإنصاف أن نقول إن معظم هذه التصرفات والأفعال تحدث من جانبها علي مستوي العقل الباطن وليس الواعي, وفيما يشبه النزعة الجبرية لفعله وارتكابه, وليس بكامل الارادة الحرة والتدبير الواعي.

فإذا كان علماء النفس الغربيون لايتسامحون مع مثل هذا النموذج ولا يتعاملون معه إلا باعتباره حالة مرضية تعكس انحرافا أو شذوذا نفسيا لا شفاء له إلا بالعلاج النفسي المتخصص وإبعاد الأم في بعض الأحيان عن حياة الابن بالقوة الجبرية أو بقوة القانون, فإن عظم حق الأم علينا وقيمنا الدينية والأخلاقية ونفورنا من التعامل الواقعي البحت مع أمهاتنا وآبائنا وذوي رحمنا, يفرض علينا أن نتسامح نحن مع من لا يتسامحون معه, وأن نتعامل مع مثل هذه الأم بالرفق الذي لايحول بين الابن وبين ممارسة حياته الطبيعية وتحقيق رغباته المشروعة في الحياة, ولايقسو في الوقت نفسه عليها أو يضاعف من آلامها.

ذلك أن الأم والأب والأخوة والأبناء هم أحق البشر بألا نتعامل معهم بالمثل وإنما بالمبدأ الرحيم الذي يعبر عنه الشاعر العربي بقوله:

إذا مرضنا أتيناكم نعودكم
وتذنبون فنأتيكم لنعتذر

واستهداء بهذا المبدأ الراقي.. فلابد لك أن تتفهم أولا دوافع والدتك لما فعلت معك في خطباتك الخمس, وأن تسلم بأنها قد فعلته انطلاقا من حبها لك ورغبتها في الاستئثار بك, حتي ولو كانت قد تجاوزت بهذا الحب حد الحكمة والاعتدال إلي دائرة الحب الأناني الذي يضر بالمحبوب بأكثر مما يسعده, وأن تحاول دائما إشعارها بأنك سوف تقدر لها علي الدوام تكريسها لحياتها من أجلك, وعطاءها الدافق لك..

رائج :   ورقة علي الحائط ‏! .. رسالة من بريد الجمعة

ولسوف تظل هي علي الدوام حبة القلب وبؤرة الاهتمام الأولي في حياتك مهما اتسعت دائرتها فضمت إلي جوارها الزوجة والأبناء والصحاب, ومن الضروري كذلك أن تتحفظ دائما في إظهار مشاعرك تجاه أية أنثي أخري أمامها.. وأن تتعامل مع العراقيل المتوقعة من جانبها لأي مشروع ارتباط جديد لك بمهارة من يسير في حقل للألغام.. فيعرف لقدمه قبل الخطو موضعها.. ويبطل ألغام الطريق واحدا بعد الآخر أو يتفاداها بحذر إلي أن يصل إلي بر الأمان.

وخير ما يعينك علي ذلك هو الحب الصادق الذي يجمعك بفتاة متفهمة ومحبة ومتدينة ومحاربة ومتسامحة في الوقت نفسه. وعلي استعداد لأن تواصل الطريق معك حتي منتهاه, فإذا وفقت إلي مثل هذه الفتاة فتقدم لأهلها علي الفور, وأكد لهم أنك رجل رشيد ومسئول عن نفسه وعن حياته, وتفضل أن تكون العلاقة بينك وبينهم مباشرة في المراحل الأولي من الارتباط دون تدخل أي طرف ثالث ولو كان والدتك, وأمض إلي الاعداد للزواج, واعقد قرانك علي فتاتك ثم صارح والدتك بما فعلت وتحمل لومها لك وعتابها عليك وحديثها المطول عن تضحياتها من أجلك إلي أن تهدأ نفسها وتسلم بالأمر الواقع, وتحاول تقبله أو التواؤم معه, مؤكدا لها في كل حين حبك الطاغي لها واهتمامك بأمرها وعطفك عليها وتقديرك لتضحياتها..

وحرصك علي عدم تعريضها للمتاعب بإبعادها عن مراحل الارتباط الأولية, ووجودك الدائم في حياتها قبل الزواج وبعده, حيث لن يفصل بينك وبينها سوي جدار واحد لن يحول أبدا دون رعايتك لها وعنايتك بها.. وأصبر علي كل ما تلاقيه منها إلي أن يرزقك الله سبحانه وتعالي بأول حفيد لها فيحطم بلا جهد منه كل السدود والحواجز.. ويملأ وجدانها ويشعرها بتواصلها مع الحياة ومعك إلي الأبد,

فأما الاحساس بالذنب تجاهها وخوفك من غضب ربك عليك فلا مجال له في كل ذلك, مادمت ترعي ربك في التعامل معها وتؤدي كل حقوقها عليك, وليس من بينها أبدا أن تقضي علي نفسك بالحرمان من الزواج والحياة الطبيعية من أجلها, حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, ولا خوف عليك حتي من دعائها بلسانها عليك, لأنه لا يعبر في الواقع عما في قلبها.. ولأنه أيضا إنما يتقبل الله من المتقين صدق الله العظيم, وليس ممن يكلفون الأبناء رهقا لا تحتمله طبيعتهم البشرية ولا يقره الله سبحانه وتعالي أعدل العادلين.

وأما التضحيات الجسام من أجلك, فلقد كانت من أجلك نعم ولكن من أجلها أيضا وبنفس القدر إن لم يكن أكبر, فالأم التي تقاتل لتحتفظ لنفسها بابنها تفعل ذلك حبا لهذا الابن, وإرضاء في الوقت نفسه لأمومتها ورغبتها العارمة في الاستئثار بإبنها لنفسها, وبقدر ما تحقق مصلحته بهذه التضحية وتفضلها علي اعتباراتها الشخصية بقدر ما تشبع بها, كذلك غريزتها الأمومية ورغباتها الانسانية, فليقدر لها الابن هذه التضحيات بالفعل, ولكن بغير أن تتحول إلي سياط تجلده بها أمه علي الدوام.
والإفراط علي أية حال في حديث المرء عن تضحياته لمن أحب ينقص من قدر هذه التضحيات في نفس من قدمت له, ويشعره بالضيق بها ولقد يحضه علي أن يجحدها أو أن ينفي عن نفسه أنه سعي إليها, حيث كانت بالفعل اختيارا إراديا للمضحي وليس لأحد سواه.
ولهذا قال الأديب الإسباني العظيم سرفانتس:

من أعطي فليصمت ومن أخذ فليتكلم!

وقال الشاعر العربي القديم:

أفسدت بالمن ما أسديت من نعم
ليس الكريم إذا ما أعطي بمنان

كما انك في النهاية لم تكن مسئولا عن حظها العاثر في الزواج.. ولم تكن أنت الذي اخترت لها الزواج وهي طفلة في السادسة عشرة من عمرها لا تحسن فهم الحياة, فجنحت سفينتها سريعا وهي في الحادية والعشرين من العمر!
ولايعني ذلك أبدا التهوين من حجم عطائها لك.. وإنما يعني فقط أن تتحرر نفسيا من الاحساس بالذنب تجاه ما لا ذنب لك فيه.. وأن ترعي والدتك وتكرمها حبا لها ووفاء بحقها عليك ورعاية لحدود ربك في التعامل معها, وحسن مصاحبتها في الدنيا وليس سدادا لديون لم تقترضها.. أو تكفيراعن ذنوب لم تقترفها.. والسلام.


لطفا .. قم بمشاركة المنشور لعله يكن سببا في حل أزمة أو درء فتنة …

مقالات ذات صلة